الْأَوَّلِ لَهُ فَلَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ السَّبَبِ مِنْ فِعْلِهِ، وَهُوَ سُقُوطُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ سَقَطُوا بِجَذْبِهِ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا، وَرُبُعُهُ مِنْ وُقُوعِهِ بِتَزَاحُمِ الْحَاضِرِينَ، فَكَانَ حَظُّهُ رُبُعَ الدِّيَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَحْمِيلِ عَاقِلَةِ الْقَتِيلِ مَا يُقَابِلُ فِعْلَهُ، وَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ، وَهَذَا هُوَ خِلَافُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ شُرِعَتْ مُوَاسَاةً وَجَبْرًا، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْقَاتِلَ لِنَفْسِهِ أَوْ مُشَارِكًا فِي قَتْلِهِ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ مَضْمُونًا كَمَا لَوْ قَطَعَ طَرَفَ نَفْسِهِ أَوْ أَتْلَفَ مَالَ نَفْسِهِ؛ فَقَضَاءُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ، وَهُوَ أَوْلَى أَيْضًا مِنْ أَنْ يُحْمَلَ فِعْلُ الْمَقْتُولِ عَلَى عَوَاقِلِ الْآخَرِينَ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْجَنِيقِ أَنَّهُ يُلْغِي فِعْلَ الْمَقْتُولِ فِي نَفْسِهِ وَتَجِبُ دِيَتُهُ بِكَمَالِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِينَ نِصْفَيْنِ، وَهَذَا أَبْعَدُ عَنْ الْقِيَاسِ مِمَّا قَبْلَهُ؛ إذْ كَيْفَ تَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ وَالْأَجَانِبُ جِنَايَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ تَحَمَّلَتْهَا الْعَاقِلَةُ لَكَانَتْ عَاقِلَتُهُ أَوْلَى بِتَحَمُّلِهَا، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ؛ فَالصَّوَابُ مَا قَضَى بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَهُوَ أَيْضًا أَحْسَنُ مِنْ تَحْمِيلِ دِيَةِ الرَّابِعِ لِعَاقِلَةِ الثَّالِثِ، وَتَحْمِيلِ دِيَةِ الثَّالِثِ لِعَاقِلَةِ الثَّانِي، وَتَحْمِيلِ دِيَةِ الثَّانِي لِعَاقِلَةِ الْأَوَّلِ، وَإِهْدَارُ دِيَةِ الْأَوَّلِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَهُوَ الْجَانِي عَلَى الثَّانِي فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ، وَالثَّالِثُ عَلَى الرَّابِعِ، وَالرَّابِعُ لَمْ يَجْنِ عَلَى أَحَدٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ فَهَذَا قَدْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ فِي ظَاهِرِ الْقِيَاسِ أَصَحُّ مِنْ قَضَاءِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلِهَذَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، إلَّا أَنَّ مَا قَضَى بِهِ عَلِيٌّ أَفْقَهُ؛ فَإِنَّ الْحَاضِرِينَ أَلْجَئُوا الْوَاقِفِينَ بِمُزَاحَمَتِهِمْ لَهُمْ فَعَوَاقِلُهُمْ أَوْلَى بِحَمْلِ الدِّيَةِ مِنْ عَوَاقِلِ الْهَالِكِينَ، وَأَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ مِنْ أَنْ يَجْمَعَ عَلَيْهِمْ بَيْنَ هَلَاكِ أَوْلِيَائِهِمْ وَحَمْلِ دِيَاتِهِمْ، فَتَتَضَاعَفُ عَلَيْهِمْ الْمُصِيبَةُ، وَيُكْسَرُوا مِنْ حَيْثُ يَنْبَغِي جَبْرُهُمْ، وَمَحَاسِنُ الشَّرِيعَةِ تَأْبَى ذَلِكَ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ مُصَابٍ حَظًّا مِنْ الْجَبْرِ، وَهَذَا أَصْلُ شَرْعِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ جَبْرًا لِلْمُصَابِ وَإِعَانَةً لَهُ.
وَأَيْضًا فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ كَمَا هُمَا مَجْنِيٌّ عَلَيْهِمَا فَهُمَا جَانِيَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَعَلَى مَنْ جَذَبَاهُ، فَحَصَلَ هَلَاكُهُمْ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَأَلْغَى مَا قَابَلَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ، وَاعْتَبَرَ جِنَايَةَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ.
وَهُوَ أَيْضًا أَحْسَنُ مِنْ تَحْمِيلِ دِيَةِ الرَّابِعِ لِعَوَاقِلِ الثَّلَاثَةِ، وَدِيَةِ الثَّالِثِ لِعَاقِلَةِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ، وَدِيَةِ الثَّانِي لِعَاقِلَةِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَيْضًا حَظٌّ مِنْ قِيَاسٍ تَنْزِيلًا لِسَبَبِ السَّبَبِ مَنْزِلَةِ السَّبَبِ، وَقَدْ اشْتَرَكَ فِي هَلَاكِ الرَّابِعِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَفِي هَلَاكِ الثَّالِثِ الِاثْنَانِ، وَانْفَرَدَ بِهَلَاكِ الثَّانِي الْأَوَّلُ، وَلَكِنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَدَقُّ وَأَفْقَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute