وَبَهْجَةً تَبْدُو عَلَى صَفَحَاتِهِ لِلنَّاظِرِينَ؛ وَلَمَّا كَانَتْ الرِّجْلَانِ تَمَسُّ الْأَرْضَ غَالِبًا، وَتُبَاشِرُ مِنْ الْأَدْنَاسِ مَا لَا تُبَاشِرُهُ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ كَانَتْ أَحَقَّ بِالْغَسْلِ، وَلَمْ يُوَفَّقْ لِلْفَهْمِ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَنْ اجْتَزَأَ بِمَسْحِهِمَا مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ.
فَهَذَا وَجْهُ اخْتِصَاصِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِالْوُضُوءِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَحْسُوسُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَهَذِهِ الْأَعْضَاءُ هِيَ آلَاتُ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُبَاشِرُ بِهَا الْعَبْدُ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ، وَبِهَا يُعْصَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَيُطَاعُ؛ فَالْيَدُ تَبْطِشُ، وَالرِّجْلُ تَمْشِي، وَالْعَيْنُ تَنْظُرُ، وَالْأُذُنُ تَسْمَعُ، وَاللِّسَانُ يَتَكَلَّمُ؛ فَكَانَ فِي غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ - امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ، وَإِقَامَةً لِمَعْبُودِيَّتِهِ - مَا يَقْتَضِي إزَالَةَ مَا لَحِقَهَا مِنْ دَرَنِ الْمَعْصِيَةِ وَوَسَخِهَا.
وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي عَنْ الْوُضُوءِ، قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ يَقْرَبُ وُضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْثُرُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِاَلَّذِي هُوَ أَهْلُهُ - أَوْ هُوَ لَهُ أَهْلٌ - وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوْ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ» وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي يَقُومُ أَحَدُهُمَا مِنْ اللَّيْلِ يُعَالِجُ نَفْسَهُ إلَى الطَّهُورِ، وَعَلَيْهِ عُقَدٌ، فَيَتَوَضَّأُ؛ فَإِذَا وَضَّأَ يَدَيْهِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا وَضَّأَ وَجْهَهُ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا وَضَّأَ رِجْلَيْهِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي وَرَاءَ الْحِجَابِ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُعَالِجُ نَفْسَهُ، مَا سَأَلَنِي عَبْدِي هَذَا فَهُوَ لَهُ» .
وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ: «أَيُّمَا رَجُلٍ قَامَ إلَى وُضُوئِهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِنْ كَفَّيْهِ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ، فَإِذَا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِنْ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ نَزَلَتْ خَطِيئَتُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ سَلِمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ هُوَ لَهُ، وَمِنْ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، فَإِذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَتَهُ، وَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ سَالِمًا» وَفِيهِ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute