للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ إمَّا مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، وَالْحِيَلُ بَاطِلَةٌ فِي الشَّرْعِ وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِشَهْوَةِ الرُّطَبِ، وَأَيْنَ هَذَا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِ الْمَصُوغِ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ؟ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَوَازُ بَيْعِهِ كَمَا تُبَاعُ السِّلَعُ؛ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِالدَّرَاهِمِ فَسَدَتْ

مَصَالِحُ النَّاسِ

، وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ، وَغَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ عَامَّةً أَوْ مُطْلَقَةً، وَلَا يُنْكِرُ تَخْصِيصَ الْعَامِّ وَتَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ نُصُوصِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: لَمْ تَدْخُلْ فِي ذَلِكَ الْحِيلَةُ، وَلَا سِيَّمَا فَإِنَّ لَفْظَ النُّصُوصِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَدْ ذُكِرَ تَارَةً بِلَفْظِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَقَوْلِهِ: «الدَّرَاهِمُ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرُ بِالدَّنَانِيرِ» وَفِي الزَّكَاةِ قَوْلُهُ: «فِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» وَالرِّقَّةُ: هِيَ الْوَرِقُ، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، وَتَارَةً بِلَفْظِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ فَإِنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَانَ نَهْيًا عَنْ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ وَإِيجَابًا لِلزَّكَاةِ فِيهِمَا، وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ جُمْلَةِ مَا عَدَاهُمَا، بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؛ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ وَيَجْرِي الرِّبَا فِي بَعْضِ صُوَرِهِ لَا فِي كُلِّهَا، وَفِي هَذَا تَوْفِيَةُ الْأَدِلَّةِ حَقَّهَا، وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ بِشَيْءٍ لِدَلِيلٍ مِنْهَا.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْحِلْيَةَ الْمُبَاحَةَ صَارَتْ بِالصَّنْعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْ جِنْسِ الثِّيَابِ وَالسِّلَعِ، لَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَلَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَثْمَانِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَبَيْنَ سَائِرِ السِّلَعِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ بِالصِّنَاعَةِ قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مَقْصُودِ الْأَثْمَانِ، وَأُعِدَّتْ لِلتِّجَارَةِ، فَلَا مَحْذُورَ فِي بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا، وَلَا يَدْخُلُهَا: " إمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ " إلَّا كَمَا يَدْخُلُ فِي سَائِرِ السِّلَعِ إذَا بِيعَتْ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَعُ فِيهَا، لَكِنْ لَوْ سَدَّ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ لَسَدَّ عَلَيْهِمْ بَابَ الدَّيْنِ، وَتَضَرَّرُوا بِذَلِكَ غَايَةَ الضَّرَرِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ النَّاسَ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْحِلْيَةَ، وَكَانَ النِّسَاءُ يَلْبَسْنَهَا، وَكُنَّ يَتَصَدَّقْنَ بِهَا فِي الْأَعْيَادِ وَغَيْرِهَا؛ وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا لِلْمَحَاوِيجِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَهَا؛ وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّهَا لَا تُبَاعُ بِوَزْنِهَا فَإِنَّهُ سَفَهٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ الْحَلَقَةِ وَالْخَاتَمِ وَالْفَتْخَةِ لَا تُسَاوِي دِينَارًا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فُلُوسٌ يَتَعَامَلُونَ بِهَا، وَهُمْ كَانُوا أَتْقَى لِلَّهِ وَأَفْقَهَ فِي دِينِهِ وَأَعْلَمَ بِمَقَاصِدِ رَسُولِهِ مِنْ أَنْ يَرْتَكِبُوا الْحِيَلَ أَوْ يُعَلِّمُوهَا النَّاسَ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَاعَ الْحُلِيُّ إلَّا بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِوَزْنِهِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّرْفِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ إنَّمَا كَانَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَمَا حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ أُبِيحَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا أُبِيحَتْ الْعَرَايَا مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَكَمَا أُبِيحَتْ ذَوَاتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>