الْأَوَّلِ قَطْعًا؛ فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا دِينَ لَهُ سِوَاهُ لَا تَسُوغُ مُخَالَفَتُهُ، وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ مُخَالِفِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْآثِمِينَ، وَالثَّانِي لَا تَدَّعِيهِ، فَلَيْسَ لَك مَلْجَأٌ إلَّا الثَّالِثُ، فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ تُسْتَبَاحُ الْفُرُوجُ وَالدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ وَالْحُقُوقُ وَتُحَلَّلُ وَتُحَرَّمُ بِأَمْرٍ أَحْسَنُ أَحْوَالِهِ وَأَفْضَلُهَا " لَا أَدْرِي "؟ فَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ وَإِنْ كُنْت تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ.
وَيُقَالُ ثَانِي عَشَرَ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ النَّاسُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ الَّذِينَ قَلَّدْتُمُوهُمْ وَجَعَلْتُمْ أَقْوَالَهُمْ بِمَنْزِلَةِ نُصُوصِ الشَّارِعِ؟ وَلَيْتَكُمْ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ جَعَلْتُمُوهَا أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ نُصُوصِ الشَّارِعِ، أَفَكَانَ النَّاسُ قَبْلَ وُجُودِ هَؤُلَاءِ عَلَى هُدًى أَوْ عَلَى ضَلَالَةٍ؟ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُقِرُّوا بِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى هُدًى، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَمَا الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ غَيْرُ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْآثَارِ، وَتَقْدِيمِ قَوْلِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا يُخَالِفُهَا، وَالتَّحَاكُمِ إلَيْهَا دُونَ قَوْلِ فُلَانٍ أَوْ رَأْيِ فُلَانٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْهُدَى فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟ فَإِنْ قَالَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: صَاحِبُنَا هُوَ الَّذِي ثَبَتَ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ السَّلَفُ، وَاقْتَفَى مَنَاهِجَهُمْ، وَسَلَكَ سَبِيلَهُمْ، قِيلَ لَهُمْ: فَمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ هَلْ شَارَكَ صَاحِبَكُمْ فِي ذَلِكَ أَوْ انْفَرَدَ صَاحِبُكُمْ بِالِاتِّبَاعِ وَحُرِمَهُ مَنْ عَدَاهُ؟ فَلَا بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنْ قَالُوا بِالثَّانِي فَهُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا مِنْ الْأَنْعَامِ، وَإِنْ قَالُوا بِالْأَوَّلِ فَيُقَالُ: فَكَيْفَ وَفَّقْتُمْ لِقَبُولِ قَوْلِ صَاحِبِكُمْ كُلِّهِ، وَرَدِّ قَوْلِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَعْلَمُ مِنْهُ كُلِّهِ، فَلَا يُرَدُّ لِهَذَا قَوْلٌ، وَلَا يُقْبَلُ لِهَذَا قَوْلٌ، حَتَّى كَأَنَّ الصَّوَابَ وَقْفٌ عَلَى صَاحِبِكُمْ وَالْخَطَأَ وَقْفٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَلِهَذَا أَنْتُمْ مُوَكَّلُونَ بِنُصْرَتِهِ فِي كُلِّ مَا قَالَهُ، وَبِالرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَهُ، وَهَذِهِ حَالُ الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى مَعَكُمْ.
وَيُقَالُ ثَالِثَ عَشَرَ: فَمَنْ قَلَّدْتُمُوهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَدْ نَهَوْكُمْ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَثَلُ الَّذِي يَطْلُبُ الْعِلْمَ بِلَا حُجَّةٍ كَمَثَلِ حَاطِبِ لَيْلٍ، يَحْمِلُ حُزْمَةَ حَطَبٍ، وَفِيهِ أَفْعَى تَلْدَغُهُ، وَهُوَ لَا يَدْرِي. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِنَا، حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَاهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تُقَلِّدْ دِينَك أَحَدًا.
وَيُقَالُ رَابِعَ عَشَرَ: هَلْ أَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِأَنَّكُمْ غَدًا مَوْقُوفُونَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، وَتُسْأَلُونَ عَمَّا قَضَيْتُمْ بِهِ فِي دِمَاءِ عِبَادِهِ وَفُرُوجِهِمْ وَأَبْشَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَعَمَّا أَفْتَيْتُمْ بِهِ فِي دِينِهِ مُحَرِّمِينَ وَمُحَلِّلِينَ وَمُوجِبِينَ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: " نَحْنُ مُوقِنُونَ بِذَلِكَ " فَيُقَالُ لَهُمْ: فَإِذَا سَأَلَكُمْ: " مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ ذَلِكَ؟ " فَمَاذَا جَوَابُكُمْ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: " جَوَابُنَا إنَّا حَلَّلْنَا وَحَرَّمْنَا وَقَضَيْنَا بِمَا فِي كِتَابِ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِمَّا رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مِنْ رَأْيٍ وَاخْتِيَارٍ، وَبِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute