للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَا ادَّعَوْهُ فَقَدْ خَالَفُوهُ نَفْسَهُ فَقَالُوا: يَجُوزُ لِلْمَمْلُوكَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ السَّفَرُ مَعَ غَيْرِ زَوْجٍ وَمَحْرَمٍ. وَاحْتَجُّوا عَلَى مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ جَازَ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَقَدْ بَطَلَ إحْرَامُهُ. وَاحْتَجُّوا عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ قَتَلَ ضَبُعًا فِي الْإِحْرَامِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَكْلِهَا وَبِالْجَزَاءِ عَلَى قَاتِلِهَا، وَأَسْنَدَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ خَالَفُوا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ فَقَالُوا: لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا. وَاحْتَجُّوا فِيمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَأَعْطَى ابْنَةَ لَبُونٍ تُسَاوِي ابْنَةَ مَخَاضٍ أَوْ حِمَارًا يُسَاوِيهَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الصَّحِيحِ وَفِيهِ: «مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ؛ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ السَّاعِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا» . وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ تَعْيِينِ ذَلِكَ، وَيُسْتَدَلُّونَ بِهِ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ وَلَا أُرِيدَ بِهِ. وَاحْتَجُّوا عَلَى إسْقَاطِ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا فَعَلَ الْمُسْلِمُ أَسْبَابَهَا بِحَدِيثِ: «لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ» وَفِي لَفْظٍ: " فِي السَّفَرِ " وَلَمْ يَقُولُوا بِالْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ لَا أَثَرَ لِلسَّفَرِ وَلَا لِلْغَزْوِ فِي ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا فِي إيجَابِ الْأُضْحِيَّةِ بِحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَرَ بِالْأُضْحِيَّةِ، وَأَنْ يُطْعَمَ مِنْهَا الْجَارُ وَالسَّائِلُ» فَقَالُوا: لَا يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ مِنْهَا جَارٌ وَلَا سَائِلٌ.

وَاحْتَجُّوا فِي إبَاحَةِ مَا ذَبَحَهُ غَاصِبٌ أَوْ سَارِقٌ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دُعِيَ إلَى الطَّعَامِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَخَذَ لُقْمَةً قَالَ: إنِّي أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَخَذْتهَا مِنْ امْرَأَةِ فُلَانٍ بِغَيْرِ عِلْمِ زَوْجِهَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُطْعَمَ الْأَسَارَى.» وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالُوا: ذَبِيحَةُ الْغَاصِبِ حَلَالٌ، وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ بِجِنَايَةِ الْمَوَاشِي، ثُمَّ خَالَفُوهُ فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ، فَقَالُوا: مَنْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ قَادَهَا أَوْ سَاقَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَنْ عَضَّتْ بِفَمِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَتْلَفَتْ بِرِجْلِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>