للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ثُمَّ خَالَفُوا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ صَرِيحًا فَقَالُوا: الْأَمَةُ لَا تَكُونُ فِرَاشًا، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْقَضَاءُ فِي أَمَةٍ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا عَقَدَ عَلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَوَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ، وَصَارَتْ فِرَاشًا بِهَذَا الْعَقْدِ الْبَاطِلِ الْمُحَرَّمِ، وَأُمُّ وَلَدِهِ وَسَرِيَّتُهُ الَّتِي يَطَؤُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ، وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى جَوَازِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ يُنْشِئُهَا مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟ فَتَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَإِنِّي صَائِمٌ» ثُمَّ قَالُوا: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، وَالْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّطَوُّعِ نَفْسِهِ.

وَاحْتَجُّوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ بِأَنَّهُ قَدْ انْعَقَدَ فِيهِ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ، وَفِي بَيْعِهِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ، وَأَجَابُوا عَنْ بَيْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُدَبَّرَ بِأَنَّهُ قَدْ بَاعَ خِدْمَتَهُ. ثُمَّ قَالُوا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ أَيْضًا.

وَاحْتَجُّوا عَلَى إيجَابِ الشُّفْعَةِ فِي الْأَرَاضِي وَالْأَشْجَارِ التَّابِعَةِ لَهَا بِقَوْلِهِ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكٍ فِي رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ» ثُمَّ خَالَفُوا نَصَّ الْحَدِيثِ نَفْسِهِ، فَإِنَّ فِيهِ: «وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» فَقَالُوا: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ إذْنِهِ، وَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَحَيَّلَ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ، وَإِنْ بَاعَ بَعْدَ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهُوَ أَحَقُّ أَيْضًا بِالشُّفْعَةِ، وَلَا أَثَرَ لِلِاسْتِئْذَانِ وَلَا لِعَدَمِهِ.

وَاحْتَجُّوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَقَلُّ مِنْ الزَّيْتِ الْمُفْرَدِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، ثُمَّ خَالَفُوهُ نَفْسَهُ، فَقَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ نَوْعِهِ وَغَيْرِ نَوْعِهِ.

وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ عَطِيَّةَ الْمَرِيضِ الْمُنْجَزَةَ كَالْوَصِيَّةِ لَا تَنْفُذُ إلَّا فِي الثُّلُثِ «بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمْ، فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . ثُمَّ خَالَفُوهُ فِي مَوْضِعَيْنِ؛ فَقَالُوا: لَا يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ أَلْبَتَّةَ، وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسَهُ.

وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّقْلِيدَ حَكَمَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ، وَقَادَكُمْ إلَيْهِ قَهْرًا، وَلَوْ حَكَّمْتُمْ الدَّلِيلَ عَلَى التَّقْلِيدِ لَمْ تَقَعُوا فِي مِثْلِ هَذَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ إنْ كَانَتْ حَقًّا وَجَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>