الطَّيِّبَاتِ، وَأَنْ يَعْمَلُوا صَالِحًا، وَأَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ، وَأَنْ يُطِيعُوا أَمْرَهُ وَحْدَهُ، وَأَنْ لَا يَتَفَرَّقُوا فِي الدِّينِ؛ فَمَضَتْ الرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، مُمْتَثِلِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ، قَابِلِينَ لِرَحْمَتِهِ، حَتَّى نَشَأَتْ خُلُوفٌ قَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ مِمَّا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، فَمَنْ تَدَبَّرَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَنَزَّلَهَا عَلَى الْوَاقِعِ تَبَيَّنَ لَهُ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَعَلِمَ مِنْ أَيِّ الْحِزْبَيْنِ هُوَ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] فَخَصَّ هَؤُلَاءِ بِالْفَلَاحِ دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ، وَالدَّاعُونَ إلَى الْخَيْرِ هُمْ الدَّاعُونَ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، لَا الدَّاعُونَ إلَى رَأْيِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ.
[ذَمَّ اللَّهُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ التَّحَاكُمِ إلَيْهِ]
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَمَّ مَنْ إذَا دُعِيَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَعْرَضَ وَرَضِيَ بِالتَّحَاكُمِ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا شَأْنُ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: ٦١] فَكُلُّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ الدَّاعِي لَهُ إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الذَّمِّ؛ فَمُسْتَكْثِرٌ وَمُسْتَقِلٌّ.
[الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْوَالِ]
الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُقَالَ لِفِرْقَةِ التَّقْلِيدِ: " دِينُ اللَّهِ عِنْدَكُمْ وَاحِدٌ وَهُوَ فِي الْقَوْلِ وَضِدِّهِ، فَدِينُهُ هُوَ الْأَقْوَالُ الْمُخْتَلِفَةُ الْمُتَضَادَّةُ الَّتِي يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كُلُّهَا دِينُ اللَّهِ "؟ فَإِنْ قَالُوا: " بَلَى، هَذِهِ الْأَقْوَالُ الْمُتَضَادَّةُ الْمُتَعَارِضَةُ الَّتِي يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا كُلُّهَا دِينُ اللَّهِ " خَرَجُوا عَنْ نُصُوصِ أَئِمَّتِهِمْ؛ فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْوَالِ، كَمَا أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ، وَخَرَجُوا عَنْ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ الصَّرِيحِ، وَجَعَلُوا دِينَ اللَّهِ تَابِعًا لِآرَاءِ الرِّجَالِ.
وَإِنْ قَالُوا: " الصَّوَابُ الَّذِي لَا صَوَابَ غَيْرُهُ أَنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كِتَابَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ وَارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، كَمَا أَنَّ نَبِيَّهُ وَاحِدٌ وَقِبْلَتَهُ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ وَافَقَهُ فَهُوَ الْمُصِيبُ وَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ لَا عَلَى خَطَئِهِ ".
قِيلَ لَهُمْ: فَالْوَاجِبُ إذَا طَلَبَ الْحَقَّ، وَبَذَلَ الِاجْتِهَادَ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ عَلَى الْخَلْقِ تَقْوَاهُ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ.
وَتَقْوَاهُ: فِعْلُ مَا أَمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute