يَعْنِي الْحَاكِمَ - هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ فِيهِ عَلَى شَيْخِنَا، يُرِيدُ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْهَاشِمِيَّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ» ، وَفِي كِتَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» وَفِي الْغَيْلَانِيَّاتِ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَارْتَجَعَ بِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» .
فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ لَا تَثْبُتُ، وَلَوْ ثَبَتَتْ لَمْ تَحِلَّ مُخَالَفَتُهَا وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَبِحَدِيثِ «لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ» وَلَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَيَكُونُ الْوَاهِبُ الَّذِي لَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ مَنْ وَهَبَ تَبَرُّعًا مَحْضًا لَا لِأَجْلِ الْعِوَضِ، وَالْوَاهِبُ الَّذِي لَهُ الرُّجُوعُ مَنْ وَهَبَ لِيَتَعَوَّضَ مِنْ هِبَتِهِ وَيُثَابَ مِنْهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ الْمُتَّهَبُ، وَتُسْتَعْمَلُ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا، وَلَا يُضْرَبُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا، وَالصَّوَابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَوْلُهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى ثنا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، وَإِبْرَاهِيمُ ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: غَلِطَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، انْتَهَى. وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ هَذَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: لَا يُسَاوِي حَدِيثَهُ فَلْسَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَا يُحْتَجَّ بِهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَكِّيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ: "
«مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَلَمْ يُثَبْ مِنْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا إلَّا لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ» قَالَ الْبُخَارِيُّ: هَذَا أَصَحُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ فَلَا أَرَاهُ إلَّا وَهْمًا، وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدِ اللَّهِ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ هُوَ الْعَزْرَمِيُّ، وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، قَالَ الْفَلَّاسُ وَالنَّسَائِيُّ: هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَفِيهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى.
قَالَ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ مَعِينٍ: هُوَ كَذَّابٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، فَإِنْ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا، وَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مِنْ وَهَبَ لِلْعِوَضِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute