للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُد: ثنا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مِثْلُ الَّذِي يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهُ مِثْلُ الْمَجْنُونِ الَّذِي عُولِجَ حَتَّى بَرِئَ فَأَعْقَلَ مَا يَكُونُ قَدْ هَاجَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُد: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: لَا تَكَادُ تَرَى أَحَدًا نَظَرَ فِي الرَّأْيِ إلَّا وَفِي قَلْبِهِ دَغَلٌ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَيْضًا: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الرَّأْيِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ وَأَصْحَابَ رَأْيٍ، فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ، فَقَالَ أَبِي: يَسْأَلُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ، وَلَا يَسْأَلُ أَصْحَابَ الرَّأْيِ، ضَعِيفُ الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ الرَّأْيِ.

[أَبُو حَنِيفَةَ يُقَدِّمُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ عَلَى الرَّأْيِ]

وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ، وَعَلَى ذَلِكَ بَنَى مَذْهَبَهُ، كَمَا قَدَّمَ حَدِيثَ الْقَهْقَهَةِ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ، وَقَدَّمَ حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فِي السَّفَرِ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ، وَمَنَعَ قَطْعَ السَّارِقِ بِسَرِقَةٍ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَالْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَجَعَلَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَالْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَشَرَطَ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ الْمِصْرَ وَالْحَدِيثُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَتَرَكَ الْقِيَاسَ الْمَحْضَ فِي مَسَائِلِ الْآبَارِ لِآثَارٍ فِيهَا غَيْرُ مَرْفُوعَةٍ؛ فَتَقْدِيمُ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي اصْطِلَاحِ السَّلَفِ هُوَ الضَّعِيفُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَلْ مَا يُسَمِّيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ حَسَنًا قَدْ يُسَمِّيهِ الْمُتَقَدِّمُونَ ضَعِيفًا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ السَّلَفَ جَمِيعَهُمْ عَلَى ذَمِّ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ الْمُخَالِفِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِهِ لَا فُتْيَا وَلَا قَضَاءً، وَأَنَّ الرَّأْيَ الَّذِي لَا يُعْلَمُ مُخَالَفَتُهُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا مُوَافَقَتُهُ فَغَايَتُهُ أَنْ يَسُوغَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إلْزَامٍ وَلَا إنْكَارٍ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي ابْنَ وَهْبٍ فَيَقُولُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ؟ فَيَقُولُ لَهُ: مِنْ عِنْدِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَيَقُولُ لَهُ ابْنُ وَهْبٍ: اتَّقِ اللَّهَ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ رَأْيٌ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثنا خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كِنَانَةَ ثنا أَبَانُ بْنُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ أَبِي قَدْ أَجْمَعَ عَلَى تَرْكِ الْفُتْيَا بِالرَّأْيِ، وَأَحَبَّ الْفُتْيَا بِمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ، فَأَعْجَلَتْهُ الْمُنْيَةُ عَنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>