للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي قَبْلَهُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ مَنَعَهَا خَوْفُ الْمُقَامِ إتْمَامَ النُّسُكِ، فَهِيَ كَمَنْ مَنَعَهَا عَدُوٌّ عَنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْإِحْصَارَ أَمْرٌ عَارِضٌ لِلْحَاجِّ بِمَنْعِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، وَهَذِهِ مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ الْبَيْتِ وَمِنْ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ عَدُوٍّ وَلَا مَرَضٍ وَلَا ذَهَابِ نَفَقَةٍ، وَإِذَا جُعِلَتْ هَذِهِ كَالْمُحْصَرِ أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا الْحَجَّ مَرَّةً ثَانِيَةً مَعَ خَوْفِ وُقُوعِ الْحَيْضِ مِنْهَا، وَالْعُذْرُ الْمُوجِبُ بِالْإِحْصَارِ إذَا كَانَ قَائِمًا بِهِ مَنَعَ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ بِنِدَاءٍ كَإِحَاطَةِ الْعَدُوِّ بِالْبَيْتِ وَتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ، وَهَذِهِ عُذْرُهَا لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَيَّ ابْتِدَاءٍ؛ فَلَا يَكُونُ عُرُوضُهُ مُوجِبًا لِلتَّحَلُّلِ كَالْإِحْصَارِ؛ فَلَازِمٌ هَذَا التَّقْدِيرُ أَنَّهَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ هَذَا الْعُذْرَ يُصِيبُهَا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنْ يُسْقِطَ عَنْهَا فَرْضَ الْحَجِّ فَهُوَ رُجُوعٌ إلَى التَّقْدِيرِ الرَّابِعِ

فَصْلٌ

وَأَمَّا التَّقْدِيرُ السَّابِعُ - وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا إذَا خَافَتْ الْحَيْضَ، وَتَكُونُ كَالْمَعْضُوبِ الْعَاجِزِ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ فَمَا أَحْسَنَهُ مِنْ تَقْدِيرٍ لَوْ عُرِفَ بِهِ قَائِلٌ؛ فَإِنَّ هَذِهِ عَاجِزَةٌ عَنْ إتْمَامِ نُسُكِهَا، وَلَكِنْ هُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ فَإِنَّ الْمَعْضُوبَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ آيِسًا مِنْ زَوَالِ عُذْرِهِ، فَلَوْ كَانَ يَرْجُو زَوَالَ عُذْرِهِ كَالْمَرَضِ الْعَارِضِ وَالْحَبْسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَهَذِهِ لَا تَيْأَسُ مِنْ زَوَالِ عُذْرِهَا؛ لِجَوَازِ أَنْ تَبْقَى إلَى زَمَنِ الْيَأْسِ وَانْقِطَاعِ الدَّمِ أَوْ أَنَّ دَمَهَا يَنْقَطِعُ قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ لِعَارِضٍ يَفْعَلُهَا أَوْ يُغَيِّرُ فِعْلَهَا؛ فَلَيْسَتْ كَالْمَعْضُوبِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا.

فَصْلٌ

فَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ تَعَيَّنَ التَّقْدِيرُ الثَّامِنُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَتَكُونُ هَذِهِ ضَرُورَةً مُقْتَضِيَةً لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ مَعَ الْحَيْضِ وَالطَّوَافِ مَعَهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ، بَلْ يُوَافِقُ كَمَا تَقَدَّمَ؛ إذْ غَايَتُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ أَوْ الشَّرْطِ بِالْعَجْزِ عَنْهُ، وَلَا وَاجِبَ فِي الشَّرِيعَةِ مَعَ عَجْزٍ، وَلَا حَرَامَ مَعَ ضَرُورَةٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فِي ذَلِكَ مَحْذُورَانِ؛ أَحَدُهُمَا: دُخُولُ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» فَكَيْفَ بِأَفْضَلِ الْمَسَاجِدِ؟

الثَّانِي: طَوَافُهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ وَقَدْ مَنَعَهَا الشَّارِعُ مِنْهُ كَمَا مَنَعَهَا مِنْ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» فَاَلَّذِي مَنَعَهَا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَيْضِ هُوَ الَّذِي مَنَعَهَا مِنْ الطَّوَافِ مَعَهُ.

فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>