الْعَشْرِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ شَهِدْت أَشْهَبَ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَجَعَلَ مُؤَخَّرَ مَهْرِهَا إلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَا قَصُرَ مِنْ الْأَجَلِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ بَعُدَ لَمْ أَفْسَخْهُ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْبَعُونَ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةً جِدًّا.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الصَّدَاقِ مُؤَخَّرًا إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَإِنَّ مَالِكًا كَانَ يَفْسَخُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيُمْضِيهِ بَعْدَهُ، وَيَرُدُّ الْمَرْأَةَ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا مُعَجَّلًا كُلَّهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الْمُعَجَّلِ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعَجَّلِ وَالْمُؤَجَّلِ فَيُوَفِّي تَمَامَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَرْضَى النَّاكِحُ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَخَّرَ مُعَجَّلًا كُلَّهُ مَعَ النَّقْدِ فَيَمْضِي النِّكَاحُ وَلَا يُفْسَخُ لَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَا تُرَدُّ الْمَرْأَةُ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا، ثُمَّ أَطَالُوا بِذِكْرِ فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.
[فَتَاوَى الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ] : وَالصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمِ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ، حَكَاهُ اللَّيْثُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ، وَهُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْفِقْهِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ الْعُقُودِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي النَّقْدِ وَالسِّكَّةِ وَالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ بِتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالصَّدَاقِ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الْفِرَاقِ، فَجَرَتْ الْعَادَةُ مَجْرَى الشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَمْثِلَةِ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يُخَالِفُ سَائِرَ الْعُقُودِ، وَلِهَذَا نَافَاهُ التَّوْقِيتُ الْمُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ عَلَى الْمَنَافِعِ، بَلْ كَانَتْ جَهَالَةُ مُدَّةِ بَقَائِهِ غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ فِي صِحَّتِهِ، وَالصَّدَاقُ عِوَضُهُ وَمُقَابِلُهُ؛ فَكَانَتْ جَهَالَةُ مُدَّتِهِ غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ فِي صِحَّتِهِ، فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ، وَنَظِيرُ هَذَا لَوْ أَجَرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الْأُجْرَةِ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ تَبَعًا لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ أَنَّهُ أَجَرَ نَفْسَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، «وَأَكَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ» ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَهَذَا لَا يَتَضَمَّنُ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ مَا أَحَلَّ الْحَرَامَ وَحَرَّمَ الْحَلَالَ لَوْ فَعَلَاهُ بِدُونِ الشَّرْطِ لَمَا جَازَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» وَأَمَّا تِلْكَ التَّقْدِيرَاتُ الْمَذْكُورَةُ فَيَكْفِي فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهَا عَدَمُ دَلِيلٍ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَيْسَ تَقْدِيرٌ مِنْهَا بِأَوْلَى مِنْ تَقْدِيرٍ أَزْيَدَ عَلَيْهِ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ، وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ فِي كِتَابِ التَّارِيخِ وَالْمَعْرِفَةِ لَهُ، وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ غَزِيرُ الْعِلْمِ جَمُّ الْفَوَائِدِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: هَذِهِ رِسَالَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.
[رِسَالَةٌ مِنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ] : سَلَامٌ عَلَيْك، فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ - عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute