ابْنُ شِهَابٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مِنْ خِلَافِ رَبِيعَةَ لِبَعْضِ مَا قَدْ مَضَى مَا قَدْ عَرَفْت وَحَضَرْت، وَسَمِعْت قَوْلَك فِيهِ وَقَوْلَ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَكَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ وَغَيْرِ كَثِيرٍ مِمَّنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ حَتَّى اضْطَرَّك مَا كَرِهْت مِنْ ذَلِكَ إلَى فِرَاقِ مَجْلِسِهِ. وَذَاكَرْتُك أَنْتَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بَعْضَ مَا نَعِيبُ عَلَى رَبِيعَةَ مِنْ ذَلِكَ، فَكُنْتُمَا مِنْ الْمُوَافِقِينَ فِيمَا أَنْكَرْت، تَكْرَهَانِ مِنْهُ مَا أَكْرَهُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ رَبِيعَةَ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَعَقْلٌ أَصِيلٌ وَلِسَانٌ بَلِيغٌ، وَفَضْلٌ مُسْتَبِينٌ، وَطَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَوَدَّةٌ لِإِخْوَانِهِ عَامَّةً وَلَنَا خَاصَّةً - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَفَرَ لَهُ وَجَزَاهُ بِأَحْسَنَ مِنْ عَمَلِهِ. وَكَانَ يَكُونُ مِنْ ابْنِ شِهَابٍ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ إذَا لَقِينَاهُ، وَإِذَا كَاتَبَهُ بَعْضُنَا فَرُبَّمَا كَتَبَ إلَيْهِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ عَلَى فَضْلِ رَأْيِهِ وَعِلْمِهِ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ يَنْقُضُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا يَشْعُرُ بِاَلَّذِي مَضَى مِنْ رَأْيِهِ فِي ذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي يَدْعُونِي إلَى تَرْكِ مَا أَنْكَرْت تَرْكِي إيَّاهُ.
وَقَدْ عَرَفْت أَيْضًا عَيْبَ إنْكَارِي إيَّاهُ أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، وَمَطَرُ الشَّامِ أَكْثَرُ مِنْ مَطَرِ الْمَدِينَةِ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ لَمْ يَجْمَعْ مِنْهُمْ إمَامٌ قَطُّ فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَفِيهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» وَقَالَ: «يَأْتِي مُعَاذٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةٍ» وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ بِمِصْرَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَبِحِمْصَ سَبْعُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَبِأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهَا وَبِالْعِرَاقِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَنَزَلَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ سِنِينَ، وَكَانَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[كَثِيرٌ] فَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَقْضِي بِالْمَدِينَةِ بِهِ، وَلَمْ يَقْضِ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّامِ وَبِحِمْصَ وَلَا بِمِصْرَ وَلَا بِالْعِرَاقِ، وَلَمْ يَكْتُبْ بِهِ إلَيْهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ كَمَا قَدْ عَلِمْت فِي إحْيَاءِ السُّنَنِ وَالْجِدِّ فِي إقَامَةِ الدِّينِ وَالْإِصَابَةِ فِي الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ رُزَيْقُ بْنُ الْحَكَمِ: إنَّك كُنْت تَقْضِي بِالْمَدِينَةِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّا كُنَّا نَقْضِي بِذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ، فَوَجَدْنَا أَهْلَ الشَّامِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَلَا نَقْضِي إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute