للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى بَائِعِهَا فَهِيَ الْعِينَةُ، وَإِنْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ التَّوَرُّقُ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى ثَالِثٍ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُحَلِّلُ الرِّبَا، وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ يَعْتَمِدُهَا الْمُرَابُونَ، وَأَخَفُّهَا التَّوَرُّقُ، وَقَدْ كَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: هُوَ أُخَيَّةُ الرِّبَا وَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَشَارَ فِي رِوَايَةِ الْكَرَاهَةِ إلَى أَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا مُضْطَرٌّ، وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّوَرُّقِ، وَرُوجِعَ فِيهَا مِرَارًا وَأَنَا حَاضِرٌ، فَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهَا، وَقَالَ: الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ حُرِّمَ الرِّبَا مَوْجُودٌ فِيهَا بِعَيْنِهِ مَعَ زِيَادَةِ الْكُلْفَةِ بِشِرَاءِ السِّلْعَةِ وَبَيْعِهَا وَالْخَسَارَةِ فِيهَا؛ فَالشَّرِيعَةُ لَا تُحَرِّمُ الضَّرَرَ الْأَدْنَى وَتُبِيحُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ الِاسْتِدْلَال عَلَى تَحْرِيمِ الْعِينَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ» وَبِقَوْلِهِ: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا» وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ إلَّا عَلَى الْعِينَةِ.

[مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحِيَلِ]

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحِيَلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ «يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي إلَيْهِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأُهْدِيَ إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ الضَّبِّيَّ عَنْ يَحْيَى.

قَالَ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْهُنَائِيُّ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ حُمَيْدٍ مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْ الْهُنَائِيِّ.

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَعَ تَشَدُّدِهِ: هُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ الشَّامِيِّينَ

، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، لَكِنْ قَالَ: عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهُنَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْهُنَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ: «إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذْ هَدِيَّةً» قَالَ شَيْخُنَا: وَأَظُنُّهُ هُوَ ذَاكَ انْقَلَبَ اسْمُهُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَلَقِيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، فَقَالَ لِي: إنَّك بِأَرْضٍ الرِّبَا فِيهَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إلَيْك

<<  <  ج: ص:  >  >>