وَأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ الْمَاءِ طَافٍ ... وَفَوْقَ الْعَرْشِ رَبُّ الْعَالَمِينَا
وَتَحْمِلُهُ مَلَائِكَةٌ كِرَامٌ ... مَلَائِكَةُ الْإِلَهِ مُسَوِّمِينَا
فَقَالَتْ: آمَنْتُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَكَذَّبْت بَصَرِي، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَضَحِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ» ، وَهَذَا تَحَيُّلٌ مِنْهُ بِإِظْهَارِ الْقِرَاءَةِ لَمَّا أَوْهَمَ أَنَّهُ قُرْآنٌ لِيَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ مَكْرُوهِ الْغِيرَةِ.
وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إذَا أَرَادَ أَنْ لَا يُطْعِمَ طَعَامًا لِرَجُلٍ قَالَ: أَصْبَحْت صَائِمًا، يُرِيدُ أَنَّهُ أَصْبَحَ فِيمَا سَلَف صَائِمًا قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ إذَا اقْتَضَاهُ بَعْضُ غُرَمَائِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُعْطِيه قَالَ: أُعْطِيك فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ يَوْمَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَسَأَلَ رَجُلٌ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ فِي دَارِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَكَرِهَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ، فَوَضَعَ أَحْمَدُ إصْبَعَهُ فِي كَفِّهِ، فَقَالَ: لَيْسَ الْمَرْوَزِيِّ هَاهُنَا، وَمَا يَصْنَعُ الْمَرْوَزِيِّ هَاهُنَا؟ وَحَضَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَجْلِسًا، فَلَمَّا أَرَادَ النُّهُوضَ مَنَعُوهُ، فَحَلَفَ أَنَّهُ يَعُودُ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَ نَعْلَهُ كَالنَّاسِي لَهَا، فَلَمَّا خَرَجَ عَادَ وَأَخَذَهَا وَانْصَرَفَ.
وَقَدْ كَانَ لِشُرَيْحٍ فِي هَذَا الْبَابِ فِقْهٌ دَقِيقٌ كَمَا أَعْجَبَ رَجُلًا فَرَسُهُ وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: إنَّهَا إذَا أُرْبِضَتْ لَمْ تَقُمْ حَتَّى تُقَامَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أُفٍّ أُفٍّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ شُرَيْحٌ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُقِيمُهَا. وَبَاعَ مِنْ رَجُلٍ نَاقَةً، فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: كَمْ تَحْمِلُ؟ فَقَالَ: احْمِلْ عَلَى الْحَائِطِ مَا شِئْت، فَقَالَ: كَمْ تَحْلِبُ؟ قَالَ: احْلِبْ فِي أَيِّ إنَاءٍ شِئْت، فَقَالَ: كَيْفَ سَيْرُهَا؟ قَالَ: الرِّيحُ لَا تُلْحَقُ، فَلَمَّا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَجَاءَ إلَيْهِ وَقَالَ: مَا وَجَدْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا كَذَبْتُك.
قَالُوا: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْعُقُودَ وَسَائِلَ وَطُرُقًا إلَى إسْقَاطِ الْحُدُودِ وَالْمَأْثَمِ، وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَ الْإِنْسَانُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةٍ لَزِمَهُ الْحَدُّ، فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدَ النِّكَاحِ ثُمَّ وَطِئَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَدُّ، وَكَانَ الْعَقْدُ حِيلَةً عَلَى إسْقَاطِ الْحَدِّ، بَلْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَاللِّبَاسَ حِيلَةً عَلَى دَفْعِ أَذَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْبَرْدِ، وَالِاكْتِفَاءَ حِيلَةً إلَى دَفْعِ الصَّائِلِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، وَعَقْدَ التَّبَايُعِ حِيلَةً عَلَى حُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَسَائِرَ الْعُقُودِ حِيلَةً عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى مَا لَا يُبَاحُ إلَّا بِهَا، وَشُرِعَ الرَّهْنُ حِيلَةً عَلَى رُجُوعِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فِي مَالِهِ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ إذَا أَفْلَسَ الرَّاهِنُ أَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ.
وَقَدْ رَوَى سَلَمَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَكَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَجْلِسِهِ، فَلَمَّا أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ أَخْبَرَهُ بِالْآيَةِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute