للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا، قَالَ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ بَأْسٍ أَنْ أَقُولَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ قُلْت: لَا، قَالَ: فَإِنِّي رَجُلُ مَكَائِدٌ.

وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ إبْرَاهِيمَ وَامْرَأَتُهُ تُعَاتِبُهُ فِي جَارِيَتِهِ وَبِيَدِهَا مِرْوَحَةٌ، فَقَالَ: أُشْهِدُكُمْ بِأَنَّهَا لَهَا، فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ: عَلَامَ شَهِدْتُمْ؟ قُلْنَا: أَشْهَدْتَنَا أَنَّكَ جَعَلْت الْجَارِيَةَ لَهَا، قَالَ: أَمَا رَأَيْتُمُونِي أُشِيرُ إلَى الْمِرْوَحَةِ؟ .

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ؛ لَا بَأْسَ بِالْحِيَلِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَجُوزُ، وَإِنَّمَا الْحِيَلُ شَيْءٌ يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الْحَرَامِ، وَيَخْرُجُ بِهِ إلَى الْحَلَالِ، فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ الرَّجُلُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ حَتَّى يُبْطِلَهُ، أَوْ يَحْتَالَ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُوهِمَ أَنَّهُ حَقٌّ، أَوْ يَحْتَالَ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً، وَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى السَّبِيلِ الَّذِي قُلْنَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

قَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: مَخْرَجًا مِمَّا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْحِيَلَ مَخَارِجُ مِمَّا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَالِفَ يَضِيقُ عَلَيْهِ إلْزَامُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ لَهُ بِالْحِيلَةِ مَخْرَجٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ تَشْتَدُّ بِهِ الضَّرُورَةُ إلَى نَفَقَةٍ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُقْرِضُهُ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ هَذَا الضِّيقِ مَخْرَجٌ بِالْعِينَةِ وَالتَّوَرُّقِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَهَلَكَ وَلَهَلَكَتْ عِيَالُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُشَرِّعُ ذَلِكَ، وَلَا يَضِيقُ عَلَيْهِ شَرْعُهُ الَّذِي وَسِعَ جَمِيعَ خَلْقِهِ؛ فَقَدْ دَارَ أَمْرُهُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا: إمَّا إضَاعَةُ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَإِمَّا الرِّبَا صَرِيحًا، وَإِمَّا الْمَخْرَجُ مِنْ هَذَا الضِّيقِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ، فَأَوْجَدُونَا أَمْرًا رَابِعًا نَصِيرُ إلَيْهِ.

وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَنْزِعُهُ الشَّيْطَانُ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقِ فَيَضِيقُ عَلَيْهِ جِدًّا مُفَارَقَةُ امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَخَرَابُ بَيْتِهِ، فَكَيْفَ يُنْكِرُ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ نَتَحَيَّلَ لَهُ بِحِيلَةٍ تُخْرِجُهُ مِنْ هَذَا الْإِصْرِ وَالْغُلِّ؟ وَهَلْ السَّاعِي فِي ذَلِكَ إلَّا مَأْجُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ كَمَا قَالَهُ إمَامُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي وَقْتِهِ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَحَمَلُوا أَحَادِيثَ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ تَحْلِيلٍ؟ قَالُوا: وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَرْسَلَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ، فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا وَلَا يُطَلِّقَهَا، وَأَوْعَدَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إنْ طَلَّقَهَا، فَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ صَحَّحَ نِكَاحَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِاسْتِئْنَافِهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَلَّلِ وَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>