للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْلٌ لَا يَحْصُلُ بِوَطْءِ الْحَرَامِ فَالصِّهْرُ الَّذِي هُوَ فَرْعٌ عَلَيْهِ وَمُشَبَّهٌ بِهِ أَوْلَى أَلَّا يَحْصُلَ بِوَطْءِ الْحَرَامِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ لَا تَثْبُتُ الْمَحْرَمِيَّةُ الَّتِي هِيَ مِنْ أَحْكَامِهِ، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الْمَحْرَمِيَّةُ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا قَالَ: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: ٢٣] وَمَنْ زَنَى بِهَا الِابْنُ لَا تُسَمَّى حَلِيلَةً لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] إنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ النِّكَاحُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ السِّفَاحِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ النِّكَاحُ الْمُرَادُ بِهِ الزِّنَا قَطُّ، وَلَا الْوَطْءُ الْمُجَرَّدُ عَنْ عَقْدٍ.

وَقَدْ تَنَاظَرَ الشَّافِعِيُّ هُوَ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مُنَاظَرَتَهُ بِلَفْظِهَا.

[مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ إنَّ الزِّنَا مُوجِبُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ] : قَالَ الشَّافِعِيُّ: الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَقَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الْحَرَامَ ضِدُّ الْحَلَالِ، وَلَا يُقَاسَ شَيْءٌ عَلَى ضِدِّهِ، فَقَالَ لِي قَائِلٌ: مَا تَقُولُ لَوْ قَبَّلَتْ امْرَأَةُ الرَّجُلِ ابْنَهُ بِشَهْوَةٍ حُرِّمَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَبَدًا؟ فَقُلْتُ: لِمَ قُلْتَ ذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ وَنَحْوُ هَذَا بِالنِّكَاحِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ؟ فَقَالَ: أَجِدْ جِمَاعًا وَجِمَاعًا، قُلْتُ: جِمَاعًا حُمِدَتْ بِهِ وَأُحْصِنَتْ وَجِمَاعًا رُجِمَتْ بِهِ، أَحَدُهُمَا نِقْمَةٌ وَالْآخَرُ نِعْمَةٌ، وَجَعَلَهُ اللَّهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَأَوْجَبَ بِهِ حُقُوقًا، وَجَعَلَكَ مَحْرَمًا لِأُمِّ امْرَأَتِكَ وَابْنَتِهَا تُسَافِرُ بِهِمَا، وَجَعَلَ عَلَى الزِّنَا نِقْمَةٌ فِي الدُّنْيَا بِالْحَدِّ وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ، إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ، فَتَقِيسَ الْحَرَامَ الَّذِي هُوَ نِقْمَةٌ عَلَى الْحَلَال الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ؟ وَقُلْتُ لَهُ: فَلَوْ قَالَ لَكَ وَجَدْتُ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا تَحِلُّ بِجِمَاعِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ فَأُحِلُّهَا بِالزِّنَا لِأَنَّهُ جِمَاعٌ كَجِمَاعٍ، قَالَ: إذًا أُخْطِئ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّهَا بِنِكَاحِ زَوْجٍ، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِنِكَاحِ زَوْجٍ وَإِصَابَةِ زَوْجٍ، قَالَ: أَفَيَكُونُ شَيْءٌ يُحَرِّمُهُ الْحَلَالُ وَلَا يُحَرِّمُهُ الْحَرَامُ أَقُولُ بِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَنْكِحُ أَرْبَعًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ مِنْ النِّسَاء خَامِسَةً، أَفَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا زَنَى بِأَرْبَعٍ شَيْءٌ مِنْ النِّسَاءِ؟ قَالَ: لَا يَمْنَعُهُ الْحَرَامُ مِمَّا يَمْنَعُهُ الْحَلَالُ، قَالَ: فَقَدْ تَرْتَدُّ فَتَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا، قُلْتُ: نَعَمْ، وَعَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَأَقْتُلُهَا وَأَجْعَلُ مَالَهَا فَيْئًا، قَالَ: فَقَدْ نَجِدُ الْحَرَامَ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، قُلْتُ: أَمَّا فِي مِثْلِ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاء فَلَا، انْتَهَى.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ الَّتِي رَتَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ وَالْمِيرَاثِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ، وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ وَصِحَّةِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْقَصْرِ عَلَى أَرْبَعٍ وَوُجُوبِ الْقَسْمِ وَالْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَمِلْكِ الرَّجْعَةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ وَالْإِحْلَالِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>