للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَابِلٌ لِلْمُعَلَّقِ، وَمُنَازِعُكُمْ إنَّمَا نَازَعَكُمْ فِيهِ، وَقَالَ: لَيْسَ الْمَحَلُّ بِقَابِلٍ لِلْمُعَلَّقِ، فَجَعَلْتُمْ نَفْسَ الدَّعْوَى مُقَدَّمَةً فِي الدَّلِيلِ.

وَقَوْلُكُمْ: " إنَّ الزَّوْجَ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ وَالتَّعْلِيقَ " جَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ الْمُمْكِنَ، فَأَمَّا التَّعْلِيقُ الْمُسْتَحِيلُ فَلَمْ يَمْلِكْهُ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا وَلَا عَادَةً، وَقَوْلُكُمْ: " لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ " بَاطِلٌ، بَلْ الْمَزِيَّةُ كُلُّ الْمَزِيَّةِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ فَإِنَّ الْمُنَجَّزَ لَهُ مَزِيَّةُ الْإِمْكَانِ فِي نَفْسِهِ، وَالْمُعَلَّقَ لَهُ مَزِيَّةُ الِاسْتِحَالَةِ وَالِامْتِنَاعِ، فَلَمْ يَتَمَانَعَا وَلَمْ يَتَسَاقَطَا، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ مَانِعٌ، وَقَوْلُكُمْ " إنَّهُ نَظِيرُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ " جَوَابُهُ أَنَّهُ تَنْظِيرٌ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا شَرْطًا فِي نِكَاحِ الْأُخْرَى، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الْمُنَجَّزَ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ، وَذَلِكَ عَيْنُ الْمُحَالِ.

وَقَوْلُكُمْ: " إنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الطَّلَاقَيْنِ عَلَى الْآخَرِ " بَاطِلٌ، بَلْ لِلْمُنَجَّزِ مَزِيَّةٌ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: قُوَّةُ التَّنْجِيزِ عَلَى التَّعْلِيقِ، الثَّانِي: أَنَّ التَّنْجِيزَ لَا خِلَافَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَفِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

وَالْمُوَقِّعُونَ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى الْمَانِعِينَ حُجَّةً تُوجِبُ الْمَصِيرَ إلَيْهَا مَعَ تَنَاقُضِهِمْ فِيمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ، فَمُنَازِعُوهُمْ يَقُولُونَ: الطَّلَاقُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ كَمَا قُلْتُمْ أَنْتُمْ فِي الْإِسْقَاطِ وَالْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ هَؤُلَاءِ بِفَرْقٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ ذِكْرَ تَنَاقُضِهِمْ، بَلْ الْغَرَضُ أَنَّ لِلْمُنَجَّزِ مَزِيَّةً عَلَى الْمُعَلَّقِ، الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَشْرُوطَ هُوَ الْمَقْصُودُ لِذَاتِهِ وَالشَّرْطُ تَابِعٌ وَوَسِيلَةٌ، الرَّابِعُ: أَنَّ الْمُنَجَّزَ لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِهِ لِأَهْلِيَّةِ الْفَاعِلِ وَقَبُولِ الْمَحَلِّ، وَالتَّعْلِيقُ الْمُحَالُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ اقْتِضَاءِ السَّبَبِ الصَّحِيحِ أَثَرَهُ.

الْخَامِسُ: أَنَّ صِحَّةَ التَّعْلِيقِ فَرْعٌ عَلَى مِلْكِ التَّنْجِيزِ، فَإِذَا انْتَفَى مِلْكُهُ لِلْمُنَجَّزِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَفَى صِحَّةُ التَّعْلِيقِ، فَصِحَّةُ التَّعْلِيقِ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهِ، وَهَذِهِ مُعَارَضَةٌ صَحِيحَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَتَأَمَّلْهَا.

السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ: " إذَا أَعْتَقْتَ سَالِمًا فَغَانِمٌ حُرٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ سَالِمًا وَلَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ قُدِّمَ عِتْقُ الْمُنَجَّزِ عَلَى الْمُعَلَّقِ لِقُوَّتِهِ.

يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: " اُدْخُلْ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلْتَ أَخْرَجْتُكَ " وَهُوَ نَظِيرُهُ فِي الْقُوَّةِ؛ فَإِذَا دَخَلَ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهُ، وَهَذَا الْمِثَالُ وِزَانُ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ هُوَ الْإِخْرَاجُ وَالْمُنَجَّزَ هُوَ الدُّخُولُ.

الثَّامِنُ: أَنَّ الْمُنَجَّزَ فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ وَالْمُعَلَّقُ قَدْ قَارَنَهُ مَا جَعَلَهُ مُسْتَحِيلًا.

التَّاسِعُ: أَنَّ وُقُوعَ الْمُنَجَّزِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّكَلُّمُ بِاللَّفْظِ، وَوُجُودُ الشَّرْطِ، مَا تَوَقَّفَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ أَقْرَبُ وُجُودًا مِمَّا تَوَقَّفَ عَلَى أَمْرَيْنِ.

الْعَاشِرُ: أَنَّ وُقُوعَ الْمُنَجَّزِ مُوَافِقٌ لِتَصَرُّفِ الشَّارِعِ وَمِلْكِ الْمَالِكِ، وَوُقُوعُ الْمُعَلَّقِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُمَلِّكْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>