للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ مَجَامِعُ أَنْوَاعِ حِيَلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُحْصِي أَفْرَادَهَا إلَّا اللَّهُ، وَمَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ الْعَقْلِ يَعْرِفُ الْحِيلَةَ الَّتِي تَمَّتْ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ إلَى التَّخَلُّصِ مِنْهَا، وَإِلَّا فَيَسْأَلُ مَنْ تَمَّتْ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

[مِنْ حِيَلِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ]

وَهَذِهِ الْحِيَلُ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ نَظِيرُ حِيَلِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ الْمُجَادِلِينَ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَيَتَوَصَّلُوا بِهِ إلَى أَغْرَاضِهِمْ الْفَاسِدَةِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَذَلِكَ كَحِيَلِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ عَلَى إفْسَادِ الشَّرَائِعِ، وَحِيَلِ الرُّهْبَانِ عَلَى أَشْبَاهِ الْحَمِيرِ مِنْ عَابِدِ الصَّلِيبِ بِمَا يُمَوِّهُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَخَارِيقِ وَالْحِيَلِ كَالنُّورِ الْمَصْنُوعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَحِيَلِ أَرْبَابِ الْإِشَارَاتِ مِنْ الْإِذْنَ وَالتَّسْيِيرِ وَالتَّغْيِيرِ وَإِمْسَاكِ الْحَيَّاتِ وَدُخُولِ النَّارِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ حِيَلِ أَشْبَاهِ النَّصَارَى الَّتِي تَرُوجُ عَلَى أَشْبَاهِ الْأَنْعَامِ، وَكَحِيَلِ أَرْبَابِ الدَّكِّ وَخِفَّةِ الْيَدِ الَّتِي تَخْفَى عَلَى النَّاظِرِينَ أَسْبَابُهَا وَلَا يَتَفَطَّنُونَ لَهَا، وَكَحِيَلِ السَّحَرَةِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِ السِّحْرِ؛ فَإِنَّ سِحْرَ الْبَيَانِ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّحَيُّلِ: إمَّا لِكَوْنِهِ بَلَغَ مِنْ اللُّطْفِ وَالْحُسْنِ إلَى حَدِّ اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ فَأَشْبَهَ السِّحْرَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِمَّا لِكَوْنِ الْقَادِرِ عَلَى الْبَيَانِ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى تَحْسِينِ الْقَبِيحِ وَتَقْبِيحِ الْحَسَنِ فَهُوَ أَيْضًا يُشْبِهُ السِّحْرَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.

وَكَذَلِكَ سِحْرُ الْوَهْمِ أَيْضًا هُوَ حِيلَةٌ وَهْمِيَّةٌ، وَالْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِتَأْثِيرِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَشَبَةَ الَّتِي يَتَمَكَّنُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْمَشْيِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ عَلَى مَهْوَاةٍ بَعِيدَةِ الْقَعْرِ؟ وَالْأَطِبَّاءُ تَنْهَى صَاحِبَ الرُّعَافِ عَنْ النَّظَرِ إلَى الشَّيْءِ الْأَحْمَرِ، وَتَنْهَى الْمَصْرُوعَ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْأَشْيَاءِ الْقَوِيَّةِ اللَّمَعَانِ أَوْ الدَّوْرَانِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ خُلِقَتْ مَطِيَّةَ الْأَوْهَامِ، وَالطَّبِيعَةُ فَعَّالَةٌ، وَالْأَحْوَالُ الْجُسْمَانِيَّةُ تَابِعَةٌ لِلْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ.

وَكَذَلِكَ السِّحْرُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ إنَّمَا هُوَ بِالتَّحَيُّلِ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا بِالْإِشْرَاكِ بِهَا وَالِاتِّصَافِ بِهَيْئَاتِهَا الْخَبِيثَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَعْمَلُ السِّحْرُ إلَّا مَعَ الْأَنْفُسِ الْخَبِيثَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ النَّفْسُ أَخْبَثَ كَانَ سِحْرُهَا أَقْوَى، وَكَذَلِكَ سِحْرُ التَّمْزِيجَاتِ - وَهُوَ أَقْوَى مَا يَكُونُ مِنْ السِّحْرِ - أَنْ يُمْزَجَ بَيْنَ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ الْخَبِيثَةِ الْفَعَّالَةِ وَالْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ الْمُنْفَعِلَةِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ السِّحْرَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>