للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُوهِهَا، وَلَوْ دَلَّ قَوْلُهُ: «أَنْتَ وَمَالِكُ لِأَبِيك» عَلَى أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ لَكُنَّا أَوَّلَ ذَاهِبٍ إلَى ذَلِكَ، وَلَمَا سَبَقْتُمُونَا إلَيْهِ، فَأَيْنَ مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ؟ وَاللَّامُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَتْ لِلْمِلْكِ قَطْعًا، وَأَكْثَرُكُمْ يَقُولُ وَلَا لِلْإِبَاحَةِ إذْ لَا يُبَاحُ مَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَلِهَذَا فَرَّقَ بَعْضُ السَّلَفِ فَقَالَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَبِ لِابْنِهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَمَنْ يَقُولُ هِيَ لِلْإِبَاحَةِ أَسْعَدُ بِالْحَدِيثِ، وَإِلَّا تَعَطَّلَتْ فَائِدَتُهُ وَدَلَالَتُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَةِ أَخْذِهِ مَا شَاءَ مِنْ مَالِهِ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ لَهُ بِحَالٍ، مَعَ الْقَطْعِ أَوْ ظُهُورِ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ لَهُ بِنِكَاحٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ مَا لَا تَلْحَقُهُ بِهِ تُهْمَةٌ.

قَالُوا: وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يُعْطَى مِنْ زَكَاتِهِ، وَلَا يُقَادُ بِهِ، وَلَا يُحَدُّ بِهِ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ، وَلَا يُحْبَسُ بِهِ؛ فَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَيْسَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذِهِ مَسَائِلُ نِزَاعٍ لَا مَسَائِلُ إجْمَاعٍ، وَلَوْ سَلِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ حَيْثُ تَنْتَفِي التُّهْمَةُ؛ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ وَثُبُوتِ الدَّيْنِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ لَا عَقْلًا وَلَا شَرْعًا، فَإِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامَ اقْتَضَتْهَا الْأُبُوَّةُ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاتِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي حَدِّهِ بِهِ، وَإِقَادَتِهِ مِنْهُ، وَحَبْسِهِ بِدَيْنِهِ، فَإِنَّ مَنْصِبَ أُبُوَّتِهِ يَأْبَى ذَلِكَ، وَقُبْحَهُ مَرْكُوزٌ فِي فِطَرِ النَّاسِ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْهُ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَهِيَ خَبَرٌ يَعْتَمِدُ الصِّدْقَ وَالْعَدَالَةَ، فَإِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ بِهِ صَادِقًا مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي الْإِخْبَارِ فَلَيْسَ قَبُولُ قَوْلِهِ قَبِيحًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِرَدِّ خَبَرِ الْمُخْبِرِ بِهِ وَاتِّهَامِهِ.

قَالُوا: وَالشَّرِيعَةُ مَبْنَاهَا عَلَى تَصْدِيقِ الصَّادِقِ وَقَبُولِ خَبَرِهِ، وَتَكْذِيبِ الْكَاذِبِ، وَالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ الْمُتَّهَمِ؛ فَهِيَ لَا تَرُدُّ حَقًّا، وَلَا تَقْبَلُ بَاطِلًا.

قَالُوا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ فِي قَرَابَتِهِ أَوْ ذِي وِلَايَةٍ، وَنَحْنُ لَا نَقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا ظَهَرَتْ تُهْمَتُهُ، ثُمَّ مُنَازَعُونَا لَا يَقُولُونَ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ شَهَادَةَ كُلِّ قَرَابَةٍ، وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ لِقَرَابَةِ الْإِيلَادِ بِالْمَنْعِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَعْلِيقُ الْمَنْعِ بِتُهْمَةِ الْقَرَابَةِ، فَأَلْغَيْتُمْ وَصْفَ التُّهْمَةِ، وَخَصَصْتُمْ وَصْفَ الْقَرَابَةِ بِفَرْدٍ مِنْهَا؛ فَكُنَّا نَحْنُ أَسْعَدُ بِالْحَدِيثِ مِنْكُمْ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إنَّ أَصْحَابَ مَالِكٍ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ فُلَانًا؛ وَلَا يُجِيزُونَ شَهَادَتَهُمْ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوَكِّلُ لَا يَتَّهِمَانِ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>