للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ: إنْ بِعْت هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَهَنَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ نَعْلَهُ وَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ: إنْ جِئْتُك بِالْحَقِّ إلَى كَذَا وَإِلَّا فَهُوَ لَك، وَهَذَا بَيْعٌ بِشَرْطٍ، فَقَدْ فَعَلَهُ وَأَفْتَى بِهِ.

وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ، نَصَّ عَلَى جَوَازِهِ فِعْلًا مِنْهُ، فَقَالَ لِمَنْ اغْتَابَهُ ثُمَّ اسْتَحَلَّهُ: " أَنْتَ فِي حِلٍّ إنْ لَمْ تَعُدْ " فَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ: قَدْ اغْتَابَك وَتُحْلِلُهُ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَنِي قَدْ اشْتَرَطْت عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعُودَ؟ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُونَ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِنُصُوصِهِ وَلَا لِأُصُولِهِ، وَقَدْ عَلَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وِلَايَةَ الْإِمَارَةِ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ، وَعَلَى تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَقَدْ عَلَّقَ أَبُو بَكْرٍ تَوْلِيَةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالشَّرْطِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» فَهَذَا الشَّرْطُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ، وَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّارِعُ، وَقَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ» وَفِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: «كُنْت مَمْلُوكًا لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: أَعْتَقْتُكَ، وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِشْتَ، فَقُلْتُ: وَلَوْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عِشْتُ، فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ» ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ وَلَك مَا شَرَطْت.

، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْقَرْضِ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ: إذَا أَحَلَّهُ فِي الْقَرْضِ جَازَ، وَقَالَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الِاشْتِرَاطِ وَالثُّنْيَا فِي الْإِقْرَارِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ: وَقَالَ ابْنُ عَوْفٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِكَرِيهٍ: ارْحَلْ رِكَابَك فَإِنْ لَمْ أَرْحَلْ مَعَك فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَخْرُجْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهُوَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: إنَّ رَجُلًا بَاعَ طَعَامًا فَقَالَ: إنْ لَمْ آتِك الْأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك بَيْعٌ، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَخْلَفْته، فَقَضَى عَلَيْهِ.

وَقَالَ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْمَهْرِ: وَقَالَ الْمِسْوَرُ: «سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَانِي» ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» .

وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَرْثِ: وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُمْ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ: " إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَكَ كَذَا " وَفِي جَوَازِ: " بِعْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً " فَالصَّوَابُ جَوَازُ هَذَا كُلِّهِ لِلنَّصِّ وَالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ.

وَقَالَ جَابِرٌ: «بِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا، وَاشْتَرَطْتُ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي» . وَرَوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>