حَانِثًا.
وَهَكَذَا إذَا قَالَ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ الطَّلَاقَ فَوَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا تَبَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ الطَّلَاقَ فَلَا تَطْلُقُ، فَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْإِيقَاعِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنْشَاءٌ، وَإِلْزَامٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَشِيئَةِ.
قَالُوا: وَأَمَّا الْأَثَرَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْتُمُوهُمَا عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَا أَحْسَنُهُمَا لَوْ ثَبَتَا، وَلَكِنْ كَيْف بِثُبُوتِهِمَا وَعَطِيَّةُ ضَعِيفٌ، وَجُمَيْعُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ مَجْهُولٌ، وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ؟ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَأَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُعْلَمُ حَالُ إسْنَادِهِ حَتَّى يُقْبَلَ أَوْ يُرَدَّ.
عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ مُقَابَلَةٌ بِآثَارٍ أُخَرَ لَا تَثْبُتُ أَيْضًا، فَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ «مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مُعَاذُ، مَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْعَتَاقِ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِمَمْلُوكِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهُ، وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ» ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُصَفًّى: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ حَفْصٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ اللَّخْمِيِّ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ «عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ: لَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ قَالَ لِغُلَامِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ قَالَ: يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَشَاءُ الْعِتْقَ، وَلَا يَشَاءُ الطَّلَاقَ» .
ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ لِغُلَامِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ الْجَارُودِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا فِي الطَّلَاقِ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَلَوْ كُنَّا مِمَّنْ يَفْرَحُ بِالْبَاطِلِ كَكَثِيرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ الَّذِينَ يَفْرَحُ أَحَدُهُمْ بِمَا وَجَدَهُ مُؤَيِّدًا لِقَوْلِهِ لَفَرِحْنَا بِهَذِهِ الْآثَارِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا غُنْيَةً؛ فَإِنَّهَا كُلَّهَا آثَارٌ بَاطِلَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَفِيهِ عِدَّةُ بَلَايَا: إحْدَاهَا: حُمَيْدٍ بْنُ مَالِكٍ، ضَعَّفَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مَكْحُولٌ عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ. الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ قَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ حُمَيْدٍ هَذَا الضَّعِيفُ؛ فَمَرَّةً يَقُولُ: عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَمَرَّةً يَقُولُ: عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute