وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " لَوْ لَمْ يَشَأْ الطَّلَاقَ لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُكَلَّفِ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ " فَنَعَمْ شَاءَ الْمُعَلَّقَ، وَأَذِنَ فِيهِ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُكُمْ: " إنَّ هَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ، وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِالْفِعْلِ: أَنَا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذَا التَّطْلِيقَ الَّذِي صَدَرَ مِنِّي " لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَطْعًا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِيمَا إذَا أَرَادَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا " أَوْ أَطْلَقَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَلَا يَنْبَغِي النِّزَاعُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُظَنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ يُنَازِعُ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ: " إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أُطَلِّقَك غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " إلَّا أَنْ يَسْتَرْوِحَ إلَى ذَلِكَ الْمَسْلَكِ الْوَخِيمِ أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْمُسْتَحِيلِ فَلَغَا التَّعْلِيقَ كَمَشِيئَةِ الْحَجَرِ وَالْمَيِّتِ.
وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْطِ لُغَةً وَشَرْعًا وَعُرْفًا، وَهُوَ اقْتِضَاؤُهُ لِلْوُقُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِقَوْلِ يُوسُفَ لِأَبِيهِ، وَإِخْوَتِهِ: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: ٩٩] فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنْ عَادَ إلَى الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ دَوَامُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى الدُّخُولِ الْمُقَيَّدِ بِهِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ حَالَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَهَا عِنْدَ تَلَقِّيهِ لَهُمْ، وَيَكُونُ دُخُولُهُمْ عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِ اللِّقَاءِ فَقَالَ لَهُمْ حِينَئِذٍ {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: ٩٩] فَهَذَا مُحْتَمَلٌ.
وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ فِي دَارِ مَمْلَكَتِهِ فَالْمَعْنَى اُدْخُلُوهَا دُخُولَ اسْتِيطَانٍ وَاسْتِقْرَارٍ آمَنِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ إسْلَامُهُ فِي الْحَالِ " فَنَعَمْ إذًا؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ تَنَجَّزَ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ الرِّدَّةَ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهَا تُنَجَّزُ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ قَطْعًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ تَكَلُّمَهُ بِالطَّلَاقِ، فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَحْقِيقٌ لِمَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَهُ " فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا شَاءَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ شَاءَ الْمُنَجَّزَ؟ ، وَلَمْ تَذْكُرُوا عَلَيْهِ دَلِيلًا.
وَقَوْلُكُمْ: " إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ اللَّهُ أَذِنَ فِي الطَّلَاقِ أَوْ أَبَاحَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا " فَمَا أَعْظَمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَأَبَيْنَهُ حَقِيقَةً وَلُغَةً،، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ عَنْ تَكَلُّفِ بَيَانِهِ؛ فَإِنَّ بَيَانَ الْوَاضِحَاتِ نَوْعٌ مِنْ الْعِيِّ، بَلْ نَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ شَاءَ تَلَفُّظِي بِهَذَا اللَّفْظِ؛ فَهَذَا يَقَعُ قَطْعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute