الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تكون للنجاة وسيلة، ولرفع الدرجات كفيلة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي بعثه وطرق الإيمان قد عفت آثارها، وخبت أنوارها، ووهنت أركانها، وجهل مكانها، فشيد صلوات الله وسلامه عليه من معالمها ما عفا، وشفى من الغليل في تأييد كلمة التوحيد من كان على شفى، وأوضح سبيل الهداية لمن أراد أن يسلكها، وأظهر كنوز السعادة لمن قصد أن يملكها.
ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في شرح الخطبة
قوله:(الحمد) هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة وغيرها، تقول: حمدت زيدا على علمه وإحسانه، فقوله:(الحمد لله) ههنا مطلق، يتناول حمد الله تعالى نفسه، وأرفع حمد ما كان من أرفع حامد، وأعرفهم بالمحمود، وأقدرهم على إيفاء حقه قال:(لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك). وقيل: ما أثى الله على نفسه هو بث آلائه، وإظهار نعمائه بمحكمات أفعاله، ويتناوله حمد الحامدين من ابتداء الخلق إلى انتهاء قولهم:(وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين).
وقوله:(نحمد الله) استئناف وإظهار لتخصيص حمده، لكن باستعانته، ونفى الحول والقوة دفع الرياء والسمعة من نفسه، ومن ثم أتبعه بقوله:(ونعوذ بالله من شرور أنفسنا)، ولما أضيفت الشرور والأعمال إلى الأنفس، وأوهم أن لها الاختيار والاستقلال بالأعمال، أتبعه بقوله:(من يهدي الله فلا مضل له)؛ ليؤذن بأن كل ذلك منه، وليس للعبد إلا الكسب. والضمير المستكن في (نحمده ونستعينه ونستغفره) للمتكلم ومن معه من أصحابه الحاضرين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وفي (أشهد) لنفسه (عليه السلام) خاصة أفرده للتوحيد، وهو إسقاط الحدوث وإثبات القدم، فأشار أولا إلى التفرقة، وثانيا إلى الجمع.
وقوله:(قد عفت) اندرست، (خبت) خفيت، (وهنت) ضعفت.
قوله:(من كان على شفا) جانس بين شفا وشفا من حيث اللفظ، وطابق بينهما من حيث المعنى، يقال: مرضت مرضا أشفيت على الموت، أي أشرفت عليه، ويجوز أن يكون من شفا الذي هو طرف كل شيء، فيكون مقتبسا من قوله تعالى:{وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}.