١٠٨٥ - عن النعمان بن بشير، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأي أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً، فقام حتى كاد أن يكبر، فرأي رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال:((عباد الله! لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم)). رواه مسلم.
ــ
باب تسوية الصف
الفصل الأول
الحديث الأول عن النعمان: قوله: ((كأنما يسوي بها القداح)) ((تو)): ((القداح)) – بالكسر- السهم قبل أن يراش ويركب نصله، وجمعه قداح، وضرب المثل به هاهنا من أبلغ الأشياء في المعنى المراد منه؛ لأن القدح لا يصلح لما يراد منه إلا بعد الانتهاء في الاستواء، وإنما جمع لمكان الصفوف، أي ليسوى كل صف علي حدته. أقول: روعي في قوله: ((يسوى بها القداح)) نكتة؛ لأن الظاهر أن يقال: كما يسويها بالقداح، والباء للآلة، كما في قولك: كتبت بالقلم، فعكس وجعل الصفوف هي التي يسوى به القداح مبالغة في استوائها.
قوله:((حتى عقلنا عنه)) يعني لم يبرح صفوفنا حتى استوينا استواء أراده منا، وتعقلنا عنه فعله.
قوله:((لتسون صفوفكم)) ((قض)): اللام فيه هي التي يتلقى بها القسم، ولكونه في معرض القسم مقدم أكده بالنون المشددة، و ((أو)) للعطف، ردد بين تسويتهم الصفوف وما هو كاللازم لنقيضها. وأقول: إن مثل هذا التركيب متضمن للأمر توبيخاً وتهديداً، أي ليكون أحد الأمرين: إما تسوية صفوفكم، أو أن يخالف الله بين وجوهكم.
((نه)): أراد وجوه القلوب؛ لما ورد:((ألا! لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) أي هواها وإرادتها. ((قض)): يريد أن تقديم الخارج صدره عن الصف يفرق علي الداخل، وذلك قد يؤدي إلي وقوع الضغينة، وإيقاع المخالفة كناية عن المهاجرة والمعاداة. ((مظ)): يعني أدب الظاهر علامة أدب الباطن، فإن لم تطيعوا أمر الله وأمر رسوله في الظاهر يؤدي ذلك إلي اختلاف القلوب، فيورث كدورة فيسري ذلك إلي ظاهركم فتقع بينكم عداوة بحيث يعرض بعضكم عن بعض وقيل معنى مخالفة الوجوه تحولها إلي الإدبار فقيل: تغير صورتها إلي صورة أخرى كما قال: ((أن يحول الله رأسه رأس حمار)).