١٢٥ - وعن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((المسلم إذا سئل في القبر؛ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ})).
وفي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(({يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} نزلت في عذاب القبر، يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد)). متفق عليه.
ــ
باب إثبات عذاب القبر
الفصل الأول
الحديث الأول عن البراء بن عازب رضي الله عنه: قوله: ((المسلم إذا سئل)) المسئول عنه محذوف أي عن ربه، وعن نبيه، ودينه، و ((الفاء)) في ((فذلك)) سببية، ولفظة ((ذلك)) إشارة إلى سرعة الجواب التي يعطيها، جعل الظرف معمولا ((ليشهد)) يعني: إذا سئل لم يتلعثم، ولم يتحير كالكافر، بل يجيب بديهاً بالشهادتين، وذلك دليل على ثباته عليه، واستقراره على كلمة التوحيد في الدنيا، ورسوخها في قلبه؛ ولذلك أتى بلفظ الشهادة؛ لأنها لا يصدر إلا عن صميم القلب، ومطابقة الظاهر بالباطن، ونظير هذه ((الفاء)) ((الباء)) في قوله تعالى: {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا} والتعريف فيه إشارة إلى قوله تعالى: {مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} وهي كلمة التوحيد. وعن ابن عباس:((هي شهادة أن لا إله إلا الله)) وثبوتها تمكنها في القلب واعتقاد حقيقتها، واطمئنان القلب بها. وتثبيتهم في الدنيا: إنهم إذا فتنوا لم يزالوا عنها – وإن ألقوا في النار – ولم يرتابوا بالشبهات، وتثبيتهم في الآخرة: إنهم إذا سئلوا في القبر لم يتوقفوا في الجواب، وإذا سئلوا في الحشر، وعند مواقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم لم يبهتوا من أهوال الحشر، وأعاد الجار ((في الدنيا وفي الآخرة))؛ ليدل على استقلاله في التثبت. فإن قلت: ليس في الآية ما يدل على عذاب المؤمن، فما معنى قوله:((نزلت في عذاب القبر؟)) قلت: لعله سمى أحوال العبد في القبر بعذاب القبر على تغليب فتنة الكافر على فتنة المؤمن ترهيباً وتخويفاً؛ لأن القبر مقام الهول والوحشة؛ ولأن ملاقاة الملكين مما يهيب المؤمن.