١٥٩٨ - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب)) رواه البخاري.
ــ
في ارتكاب الكبيرة، قال تعالي:{يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} والزحف: الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنه يزحف، أي يدب دبيبًا، من زحف الصبي إذا دب علي استه قليلاً قليلاً، سمي بالمصدر.
باب تمني الموت وذكره
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة: قوله: ((يتمنى أحدكم)) ((تو)): الياء في قوله: ((لا يتمنى)) مثبتة في رسم الخط ويحتمل أن بعض الرواة أثبتها في كتب الحديث، فلعله نهي ورد علي صيغة الخبر، والمراد منه لا يتمن، فأجرى مجرى الصحيح، ويحتمل أن بعض الرواة أثبتها في الخط، فروى علي ذلك. ((قض)): ((لا يتمنى)): نهي أخرج في صورة النفي للتأكيد. أقول: هذا أولي، ونظيره قوله تعالي:{الزإني لا ينكح إلا زإنية} الكشاف: عن عمرو بن عبيد: لا ينكح بالجزم علي النهي، والمرفوع أيضًا فيه معنى النهي، ولكن أبلغ وأوكد، كما أن رحمك الله ويرحمك أبلغ من ليرحمك الله.
أقول: وإنما كان أبلغ؛ لأنه قدر أن المنهي حين ورد النهي عليه انتهي عن المنهي عنه، وهو يخبر عن انتهائه، ولو ترك علي النفي والإخبار المحض لكان أبلغ، كأنه يقول: لا ينبغي للمؤمن المتزود للآخرة، والساعي في ازدياد ما يثاب عليه من العمل الصالح أن يتمنى ما يمنعه عن البر والسلوك لطريق الله، وعليه ما ورد:((خياركم من طال عمره، وحسن عمله))؛ لأن من شأنه الازدياء، والترقي من حال إلي حال، ومن مقام إلي مقام، حتى ينتهي إلي مقام القرب، كيف يطلب القطع عن مطلوبه؟
((تو)): والنهي عن تمني الموت وإن أطلق، لكن المراد منه المقيد، لما في حديث أنس رضي الله عنه ((لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه))، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا