١٩٥٤ - عن عمر بن الخطابِ [رضي الله عنه]، قال: حَمَلتُ علي فرسٍ في سبيل اللهِ فأضاعَه الذي كان عندَه، فأردتُ أنْ أشترِيَه، وظنَنْتُ أنَّهُ يبَيعُه بِرُخْصٍ، فسألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:((لا تَشترِهِ ولا تَعُدْ في صدقِتكَ وإنْ أعطاكَه بدِرهمٍ، فإِنَّ العائدَ في صدقته كالكلبِ يعودُ في قَيْئِه)). وفي رواية:((لا تعُدْ في صدَقِتك، فإِنَّ العائدَ في صدقِته كالعائد في قيئه)). متفق عليه.
ــ
علي اغتنام الأجر، ورغبَّه فيه، ولم يرد أن يمهد له فيما كان سبيله العفو، والتسامح. فإن قيل: فهل يجوز أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم في موضع الحاجة إلي البيان؟ قلنا: قد تبين ذلك في غير موضع.
أقول: جوابه صلى الله عليه وسلم بقوله: ((الأجر بينكما)) عن قوله: ((يعطي طعامي بغير أن آمره)) من الأسلوب الحكيم، أي لا تضربه لهذه العلة، بل إئذن له بالإعطاء ليحصل لكما الأجران.
المعنى أهم بك من الضرب والإذن هو الإذن، وهو تعليم وإرشاد لأبي اللحم لا تقرير لفعل عمير، ونحوه قول الشاعر:
أتت تشتكي عندي مزاولة القرى ... وقد رأيت الضيفان ينحون منزلي
فقلت كإني ما سمعت كلامها ... هم الضيف جدِّى في قراهم وعجِّلي
باب من لا يعود في الصدقة
الفصل الأول
الحديث الأول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قوله: ((حملت علي فرس)) ((تو)): أي جعلت فرساً حمولة من لم يكن له حمولة من المجاهدين، وأعطيته إياه فأضاعه، أي أساء سياسته، والقيام بعلفه، وسقيه، وإرساله المراعى، حتى صار كالشيء الهالك.
قوله:((وإن أعطاكه بدرهم)) متعلق بقوله: ((لا تشتره)) ومعناه لا ترغب البتة، ولا تنظر إلي رخصه، وصحة بيعه، ولكن إلي أنه صدقتك وهبتك. فقوله:((ولا تعد في صدقتك)) معترضة كالتعليل للنهي، ثم ضرب له مثلاً، وشبهه بأخس الحيوان في أخس أحواله، تصويراً للتهجين وتنفيراً منه، وفيه كم من عقد يصح فتوى ولا يصح من جهة الخسة، والدناءة، والخروج عن المكروه.