١٧٩٠ - عن أبي هريرة، قال: لمَّا توفيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم واستُخلِفَ أبو بكرٍ بعدَه، وكفرَ من كفرَ من العرب، قالَ عمرُ بن الخطابِ لأبي بكرٍ: كيف تقاتلُ الناسَ وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أمرتُ أن أقاتلَ النَّاسَ حتى يقولوا: لا إِله إِلا الله، فمنْ قالَ: لا إِله إلا الله عصَمَ مني مالهُ ونفسَه إِلا بحقهِ وحسابُه علي الله))؟ فقالَ أبو بكر: والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ، فإنَّ الزكاةَ حقُّ المال، واللهِ لو منعوني عَناقاً كانوا يؤدونها إلي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهُم علي منعِها. قال عمر رضي الله عنه: فو اللهِ ما هو إلا رأيتُ أنَّ الله شرحَ صدرَ أبي بكرٍ للقتالِ، فعرفتُ أنهُ الحق. متفقٌ عليه.
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((كفر من كفر)) يريد غطفان، وفزارة، وبني سليم، وبني يربوع، وبعض بني تميم، وغيرهم منعوا الزكاة، فأراد أبو بكر رضي الله عنه أن يقاتلهم، فاعترض عمر رضي الله عنه بقوله: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إِله إِلا الله))؟.
جعلهم كفاراً إما لأنهم أنكروا وجوب الزكاة، أو أتوا بشبهة في المنع، فيكون تغليظاً. وعمر رضي الله عنه أجراه علي ظاهره، وأنكر علي أبي بكر، قوله:((وحسابه علي الله)) يعني من قال: لا إله إلا الله، وأظهر الإسلام تترك مقاتلته ولا يفتش باطنه هل هو مخلص أم لا فإن ذلك إلي الله تعالي وحسابه عليه.
قوله:((فإن الزكاة حق المال)) هذا الرد يدل علي أن عمر رضي الله عنه حمل الحق في قوله: ((عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه)) علي غير الزكاة، وإلا لم يقم استشهاد عمر رضي الله عنه بالحديث علي منع المقاتلة، ولا رد أبي أبكر رضي الله عنه بقوله:((فإن الزكاة حق المال))، أو يقال: إن عمر ظن أن المقاتلة مع القوم إنما كانت لكفرهم لا للمنع، فاستشهد بالحديث، وأجابه أبو بكر بإني لم أقاتلهم لكفرهم، بل لمنعهم الزكاة. ويعضد هذا الوجه قوله:((كفر من كفر)). ((مح)): العناق: الأنثى من ولد المعز، ذكره مبالغة.
قوله:((وفي رواية: عقالا)) وذكروا فيه وجوهاً، أصحها وأقواها قول صاحب التحرير علي أنه ورد مبالغة؛ لأن الكلام خرج مخرج التضييق والتشديد، فيقتضي قلة وحقارة.
قوله:((ما هو إلا رأيت)) المستثنى منه غير مذكور، أي ليس الأمر شيئاً من الأشياء إلا علمي