١٨٧٧ - وعنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:((بينا رجلٌ بفلاةٍ من الأرضِ فسمعَ صوتًا في سحابةٍ: اسقِ حديقة فلان: فتنحَّى ذلك السَّحابُ فأفرغَ ماءهُ في حَرَّة، فإذا شَرْجةٌ من تلك الشراجِ قد استوعبَت ذلك الماءَ كلَّه، فتتبع الماء فإذا رَجلٌ قائمٌ في حديقتهِ، يُحوِّلُ الماء بمسِحاتهِ، فقالَ له: يا عبد الله ما اسمُك؟ قال: فُلان؟ الاسمُ الذي سمعَ في السَّحابةِ، فقال له: يا عبدَ اللهِ! لمَ تسألُني عن اسمي؟ فقال: إني سمعتُ صوتًا في السَّحابِ الذي هذا ماؤُهُ، يقول: اسقِ حديقةَ فُلانِ لاسمكَ، فما تصنعُ فيها؟ قال: أمَّا إذا قُلتَ هذا؛ فإني أنظُرُ إلي ما يخرُجُ منها فأتصدَّقُ بثلُثِه وآكلُ أنا وعيالي ثُلُثًا، وأَرُدَّ فيها ثُلُثَه)). رواه مسلم.
١٨٧٨ - وعنه، أنَّهُ سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:((إِنَّ ثلاثةً من بني إسرائيل: أبرَصَ، وأقرَعَ، وأعمى. فأراد الله أن يبتَلِيَهُمْ؛ فبعثَ إليهم مَلَكًا، فأتى الأبرصَ فقال:
ــ
تعجب من فعل نفسه، وقال: ((الحمد لله علي سارق)) أي أتصدقت علي سارق، ولذلك سلي بقوله:((أما صدقتك علي سارق فلعله يستعف عن سرقته)).
قوله:((فأتى)) أي فأرى في المام. قوله:((يعتبر)) ((غب)): أصل العبر: تجاوز من حال إلي حال، والاعتبار والعبرة بالحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلي ما ليس بمشاهد، يريد أن الغنى إذا نظر إلي تصدقه، اقتدى به وتجاوز عما كان فيه من صفة البخل إلي صفة السماحة.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله:((حديقة)) وهي البستان الذي يدور عليه الحائط. و ((الحرة)) الأرض ذات الحجارة السود، و ((الشرجة)) - بإسكان الراء - مسيل الماء إلي السهل من الأرض:((المسحاة)) المجرفة من الحديد.
قوله:((فلان)) الاسم الذي سمع فلان ليس مقولا لصاحب الحديقة؛ لأنه صرح باسمه، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنى عن اسمه بفلان، ثم فسره بقوله:((الاسم الذي سمع))، والقائل في قوله:((اسق حديقة فلان لاسمك)) هو ذلك السامع، ولابد من إضمار القول، التقدير: قال الهاتف: اسق حديق زيد مثلا، وقلت: أنا فلان لأجل اسمك أي بدله. قوله:((أرد فيها ثلثه)) أي أرد في الحديقة الأصل الذي زرعته فيها؛ ليكون قنية للبذر بعد تصدقى الثلث، وأكلي الثلث الآخر.
الحديت الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فأراد الله أن يبتليهم)) من جوز دخول الفاء في خبر ((إن)) فلا إشكال في أنه خبر ((إن))، ومن لم يجوزه يقدر الخبر، أي إن فيما أقص عليكم قصة ثلاثة نفر، فالفاء لتعقيب المفسر المجمل، كما في قوله تعالي: {فإن فاءوا فإن الله