١٩٨٥ - وعن عمرَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذا أقبلَ الليلُ منْ هاهُنا وأدْبرَ النَّهارُ منْ هَاهُنا وغرَبتِ الشَّمسُ، فقدْ أفطرَ الصائِمُ)). متفق عليه.
١٩٨٦ - وعن أبي هريرةَ، قال: نَهي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الوِصالِ في الصَّوم. فقال له رجلٌ: إنَّكَ تُواصلُ يا رسولَ الله! قال: ((وأَيُّكم مثلي، إني أبيتُ يُطعِمُني ربي ويَسقِيني)). متفق عليه.
ــ
الحديث الرابع عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((إذا أقبل الليل من ها هنا)) أي أقبل ظلمة الليل من جانب المشرق، وأدبر ضوء النهار من جانب المغرب. وإنما قال:((وغربت الشمس)) مع الاستغناء عنه؛ لبيان كمال الغروب، كيلا يظن أنه إذا غرب بعض الشمس جاز الإفطار. قوله:((فقد أفطر الصائم)) ((حس)) و ((نه)): أي صار مفطراً حكماً وإن لم يفطر حساً، أو دخل في وقت الإفطار، كما يقال: أمسى وأصبح، أي دخل في وقت المساء والصباح.
قال أبو عبيد: فيه رد علي المواصلين، أي ليس للمواصل فضل علي الآكل؛ لأن الليل لا يقبل الصوم، وأقول: ويمكن أن يحمل الإخبار علي الإنشاء إظهاراً للحرص علي وقوع المامور به، أي إذا أقبل الليل فليفطر الصائم، وذلك أن الخيرية منوطة بتعجيل الإفطار فكأنه قد وقع وحصل، وهو يخبر عنه، ونحوه قوله تعالي:{هَلْ أدلكُمْ عَلي تجَارَةٍ تُنجيكُمْ منْ عَذابٍ أَليمٍ تُؤمنونَ بِاللهِ وَرَسُولهِ} أي آمنوا وجاهدوا.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم)) ((قض)): الوصال تتابع الصوم من غير إفطار بالليل، والموجب للنهي عنه إيراث الضعف، والسآمة، والعجز عن المواظبة علي كثير من وظائف الطاعات، والقيام بحقوقها. وللعلماء اختلاف في أنه نهي تحريم، أو تنزيه، والظاهر الأول. ويريد بقوله:((أيكم مثلي)) الفرق بينه وبين غيره؛ لأنه سبحانه وتعالي يفيض وتعالي يفيض عليه ما يسد مسد طعامه وشرابه من حيث أنه يشغله عن إحساس الجوع، العطش، ويقويه علي الطاعة، ويحرسه عن تحليل يفضي إلي كلال القوى، وضعف الأعضاء.
أقول: هذا أحد قولي الخطابي، والقول الآخر ذكر في شرح السنة هو: أن يحمل علي الظاهر، بأن يرزقه الله طعاماً وشراباً ليالي صيامه، فيكون ذلك كرامة له. والقول الألول أرجح؛ لأن الاستفهام في قوله:((أيكم مثلي)) يفيد التوبيخ المؤذن بالبعد البعيد، وكذلك لفظة ((مثلي)) لأن معناه من هو علي صفتي، ومنزلتي، وقربي من الله تعالي صلى الله عليه وسلم ومن ثم اتبعه بقوله:((أبيت ويطعمني)) حال إن كانت تامة، وخبر إن كانت ناقصة.