٢٠٤٣ - وعن عائشةَ، قالتْ: ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قطُّ. رواه مسلم.
٢٠٤٤ - وعن أبي قتادةَ: أنَّ رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: كيفَ تصومُ؟ فغضِبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلمَّا رأي عمرُ غضَبَه، قال: رضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًا، نعوذُ باللهِ من غضبِ اللهِ، وغضب رسوله، فجعل عمرُ يُرددُ هذا الكلام حتى سكنَ غضبُه. فقال عمرُ: يا رسول اللهِ! كيفَ منْ يصومُ الدَّهرَ كلَّه؟ قال:((لاصامَ ولا أفطرَ)) أو قالَ: ((لم يصُمْ ولم يُفطِرْ)). قال: كيف منْ يصومُ يومينِ ويُفطرُ
ــ
الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر)) ((مظ)): أي في عشر ذى الحجة. اعلم أن صوم تسعة أيام من أول ذى الحجة سنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((ما من أيام أحب إلي الله أن يتعبد له فيها من عشر ذى الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر)). وقولها:((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط)) لا ينفي كونها سنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ربما صامها ولم تعرف عائشة، وإذا تعارض النفي والإثبات، فالإثبات أولي بالقبول.
الحديث التاسع عن أبي قتادة: قوله: ((فقال كيف تصوم)) ((حس)): يشبه أن يكون الذي سأل عنه من صوم الدهر، هو أن يسرد صيام أيام السنة كلها، لا يفطر فيها إلا الأيام المنهي عنها. ((مح)): قال العلماء: سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته؛ لأنه خشى من جوابه مفسدة، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه، أو استقله، أو اقتصر عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يبالغ في الصوم، ويقتصر علي ما كان عليه من صوم أيام قلائل؛ لشغله بمصالح المسلمين وحقوقهم، وحقوق أزواجه، وأضيافه ولئلا يقتدى به كل أحد، فيؤدى إلي الضرر في حق بعضهم. وكان حق السائل أن يقول: كم أصوم، أو كيف أصوم فيخص السؤال بنفسه، ليجيبه بما يقتضيه حاله، كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم.
قوله:((لا صام ولا أفطر)) ((حس)): معناه الدعاء عليه زجرًا له، ويجوز أن يكون إخبارًا. ((مظ)): يعنى هذا الشخص كأنه لم يفطر؛ لأنه لم يأكل شيئًا، ولم يصم؛ لأنه لم يكن بأمر الشارع. قال الشافعى، ومالك: هذا في حق من صام جميع أيام السنة، حتى يومى العيد وأيام التشريق؛ لأن صومها محرم، فأما من لم يصمها فلا بأس عليه في صوم غيرها؛ لأن أبا طلحة الأنصاري، وحمزة بن عمرو الأسلمى كانا يصومان الدهر غير هذه الأيام، ولم ينكر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو علة النهي أن يصير الرجل بصوم الدهر كله ضعيفًا عاجزًا عن الجهاد وقضاء الحقوق.