للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢١٤٠ - وعن عقبة بن عامر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو جعل القرآن في هذا إهاب ثم ألقى في النار ما احترق)). رواه الدرامى. [٢١٤٠]

ــ

الحديث السابع عن عقبة بن عامر: قوله: ((لو جعل القرآن في إهاب)) ((نه)): قيل: كان ذلك معجزة للقرآن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تكون الأيات في عصر الأنبياء، وقيل: معناه من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الاًخرة، فجعل جسم حافظ القرآن كالإهاب له، وذكر في شرح السنة بعد القول الثانى: هذا كما روى عن أبي أمامة ((احفظوا القرآن، فإن الله تعالي لا يعذب بالنار قلباً وعى القرآن) وزاد علي القولين: قال أحمد بن حنبل: معناه لو كان القراَن في إهاب يعنى في جلد في قلب رجل، لرجى لمن القراَن محفوظ في قلبه أن لا تمسه النار. ((تو)): وإنما ضرب ضرب المثل بالإهاب، وهو الجلد الذي لم يدبغ؛ لأن الفساد إليه أسرع ونفخ النار فيه أنفذ؛ ليبسه وجفافه، بخلاف المدبوغ للينه، المعنى: لو قدر أن يكون القراَن في إهاب ما مسته النار لبركة مجاورته للقراَن، فكيف بالمؤمن الذي تولي حفظه، والمواظبة عليه؟ والمراد بالنار نار الله الموقدة، المميزة بين الحق والباطل.

وقال القاضى: هذا هو الأولي، ويحتمل أن يكون جنس النار. وأقول: لعل الجنس أقرب، وضرب المثل بالإهاب بالتحقير أحرى. ورواية ((مسته)) كما في أكثر النسخ أولي من ((احترق))، وتحريره أن التمثيل وارد علي المبالغة والفرض والتقدير ((فلو)) كما في قوله تعالي: {قل لو كان البحر مداداً} الَاية، أي ينبغى ويحق أن القراَن لو كان في مثل هذا الشيء الحقير الذي يؤبه به ويلقى في النار ما مسته، فكيف بالمؤمن الذي هو أكرم خلق الله وافضلهم، وقد وعاه في صدره، وتفكر في معإنيه، وواظب علي قراءته، وعمل بما فيه بجوارحه، كيف يمسه فضلا عن أن يحرقه؟ وفي معنى الحقارة والمحاورة وصيرورته موقى محترماً؟، قال الشاعر:

من عاشر الشرفاء شرف قدره ... ومعاشر السفهاء غير مشرف

فانظر إلي الجلد الحقير مقبلا ... بالثغر لما صار جار المصحف

وبهذا التأويل وقع التناسب بين هذا الحديث وبين السابق، وحسن التشبيهان في المبالغة عن نيل الكرامة فإذن الفوز بها، وفي التوقى عن الخزى والنكال، قال تعالي: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} فإذن المعننى: أن من قرأ وعمل ألبس والداه تاجاً فكيف بالقارئ العامل؟ ولو جعل القراَن في إهاب وألقى في النار ما مسته النار، فكيف بالتالي العامل؟ ((وثم)) في قوله: ((ثم ألقى)) ليس للتراخى في الزمان بل للتراخى في الرتبة بين الجعل في الإهاب والإلقاء في النار

<<  <  ج: ص:  >  >>