للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفصل الثالث

٢٤٧٩ - عن القعقاع: أن كعب الأحبار قال: لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حماراً. فقيل له: ما هن؟ قال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم، من شر ما خلق وذرأ وبرأ. رواه مالك. [٢٤٧٩]

ــ

الفصل الثالث

الحديث الأول عن القعقاع: قوله: ((حماراً)) لعله أراد أن اليهود سحرته، ولولا استعاذتي بهذه الكلمات لتمكنوا من أن يقلبوا حقيقتي لبغضهم إياي حيث إني أسلمت، أو لتمكنوا من إذلالي وتوهيني كالحمار، فإنه مثل في الذلة، قال:

ولا يقيم علي ضيم يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد

قوله: ((لا يجاوزهن بر ولا فاجر)) يشعر بأن المراد بـ ((كلمات)) علم الله الذي ينفد البحر قبل نفاده في قوله: {قل لو كان البحر مداداً} الآية، لأن معنى التكرير في قوله: ((بر ولا فاجر)) وتكرير حرف التأكيد للاستيعاب، كما في قوله تعالي: {ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}. ولو أريد بـ ((كلمات الله التامات)) القرآن يؤول بأن البر والفاجر من المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، لا يتجاوزان ما لهما وما عليهما من الوعد والوعيد، والثواب والعقاب. وغير ذلك، يؤيده قوله تعالي: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً} لأن الصدق ملائم للوعد والوعيد، والخبر من القصص، وبناء الأولين والآخرين مما سبق ومما سيأتي. والعدل موافق للأمر والنهي، والثواب والعقاب، وما أشبه ذلك.

((حس)): وفي أمثال هذا الحديث مما جاء فيه الاستعاذة بكلمات الله، دليل علي أن كلام الله غير مخلوق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بها، كما استعاذ بالله في قوله: ((أعوذ بالله)) وبصفاته في قوله: {برب الناس ملك الناس} وبعزة الله وقدرته، ولم يكن يستعيذ بمخلوق عن مخلوق. وبلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه استدل بها علي أن القرآن غير مخلوق؛ لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص. قوله: ((خلق)) أي قدر أو أنشأ، و ((برأ)) أي جعل الخلقة مبرأة من التفاوت، فخلق كل عضو علي ما ينبغي كونه، و ((ذرأ)) أي بث الذراري في الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>