قال الشيخ: أنكر أكثر المتكلمين زيادته ونقصانه، وقالوا: متى قبل الزيادة والنقصان كان شكّا وكفرًا. قال المحققون من المتكلمين: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته- وهي الأعمال- ونقصانها، وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة، وأقاويل السلف، وبين وصفه في اللغة وما عليه المتكلمون. وقال صاحب التحرير في شرح صحيح مسلم: الإيمان في اللغة هو التصديق، فإن عني بذلك فلا يزيد ولا ينقص لأن التصديق ليس بشيء يتجزأ، حتى يتصور زيادته مرة ونقصانه أخرى، وفي لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمال بالأركان، وإذا فسر بهذا تطرق إليه الزيادة والنقصان، وهو مذهب أهل السنة.
وأقول: على التفسير الأول أيضًا يمكن الزيادة والنقصان به (قال) الكشاف في قوله تعالى في سورة الأنفال):وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا):ازدادوا بها يقينًا وطمأنينة النفس؛ لأن تظاهر الأدلة أدل المدلول عليه، وأثبت لقدمه، ويؤيده ما نسب إلى علي (- رضي الله عنه -)(لو كشف الغطاء ما ازددت يقياا)) وقوله تعالى: (أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)).
(قال الخطابي): المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمنا في بعضها، والمؤمن المسلم في جميع الأحوال، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا. أقول: ومصداقه قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)(قال الحسن) في شرح السنة في باب الإيمان من الاعمال: اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان، وقال في تأويل حديث عمر وجبريل. جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسما لما بطن من الإعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان، والتصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل لجملة، كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولذلك قال:(ذاك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم). وأقول: يرد الشيخ بهذا زعم من يذهب إلى أن الأعمال خارجة من الإيمان، والإيمان عبارة عن مجرد التصديق، ويتمسك الزاعم بظاهر الحديث، ومعنى ما قال الشيخ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، لأن يتمسك به المتمسك أن الأعمال ليست من الإيمان، والتصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل جعل ذلك تفصيلا للمجمل الذي هو الدين.