للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا}، وقال: {يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلي السماء: يارب! يارب ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغذي بالحرام، فإني يستجاب لذلك؟!. رواه مسلم.

الخبيث، فإذا وصف به الله تعالي أراد به أنه منزه عن النقائص، مقدس عن الآفات والعيوب، وإذا وصف به العبد مطلقًا أريد به أنه المتعري عن رذائل الأخلاق وقبائح الأعمال والمتحلي بأضداد ذلك، وإذا وصف به الأموال أريد به كونه حلالًا من خيار المال. ومعنى الحديث أنه تعالي منزه عن العيوب فلا يقبل ولا ينبغي أن يتقرب إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى، وهو خيار أموالكم الحلال كما قال تعالي: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. قوله: ((ثم ذكر الرجل يطيل السفر)) ((شف)): ((يطيل)) محله نصب صفة لـ ((الرجل))؛ لأن الجنس المعروف بمنزلة النكرة، كقوله:

ولقد أمر علي اللثيم يسبني

أقول: قوله: ((ثم ذكر الرجل)) يريد الراوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب كلامه بذكر الرجل الموصوف، استبعادًا أن الله تعالي يقبل دعاء آكل الحرام لبغضه الحرام، وبعد مناسبته عن جنابه الأقدس، فأوقع فعله علي ((الرجل)) ونصبه، ولو حكى لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع ((الرجل)) بالابتداء، والخبر ((يطيل)) نحوه أنشد في الكشاف:

وجدنا في كتاب بني تميم ... أحق الخيل بالركض المعار

فإن قوله: أحق الخيل إن رفع كان علي الحكاية، وإن نصب كان مفعولًا لـ ((وجد)).

وقوله: ((أشعث وأغبر)) حالان مترادفان من فاعل ((يطيل)) وما يتلوهما من الأحوال كلها متداخلات، فقوله: ((يمد يديه)) حال من ضمير ((أشعث) وقوله: ((يارب)) حال من فاعل ((يمد)) أي يمد يديه قائلًا: يارب، وقوله: ((مطعمه وملبسه وغذى)) حال من فاعل ((قائلًا))، وكل هذه الحالات دالة علي غاية الاستحقاق الداعي للإجابة، ودلت تلك الخيبة علي أن الصارف قوي والحاجز مانع شديد.

((تو)): أراد بالرجل الحاج الذي أثر فيه السفر وأخذ منه الجهد، وأصابه الشعث وعلاه

<<  <  ج: ص:  >  >>