للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل مللك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)). متفق عليه

ــ

فإن أعطوك من غير مسألة فأقبل منهم؛ فإنهم يصيبون من الحلال أكثر مما يعطونك. وروي عن ابن سيرين أن ابن عمر كان يأخذ جوائز السلطان، وكان القاسم بن محمد وابن سيرين وسعيد بن المسيب لم يقبلوا جوائز السلطان، فقيل لابن المسيب في ذلك، قال: قد ردها من هو خير مني علي من هو خير منه.

قال أبو حامد الغزالي: إن السلاطين في رماننا هذا ظلمة، قلما يأخذون شيئًا علي وجهه بحقه؛ فلا تحل معاملتهم ولا معاملة من يتعلق بهم حتى القاضي، ولا التجارة في الأسواق التي بنوها بغير حق. والورع اجتناب الربط والمدارس والقناطير التي بنوها بالأموال المغصوبة التي لا يعلم مالكها. وروى ابن الأثير في كتاب المناقب عن أبي شهاب قال: كنت ليلة مع سفيان الثوري، فرأي نارًا من بعيد، فقال: ما هذا؟ فقلت: نار صاحب الشرطة، فقال: اذهب بنا في طريق آخر لا نستضىء بنارهم.

قوله: ((وقع في الحرام)) ((تو)): الوقوع في الشيء السقوط فيه، وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك، وإنما قال: ((وقع في الحرام)) تحقيقًا لمداناته الوقوع، كما يقال: من أتبع نفسه هواها فقد هلك. ((شف)): إنما قال: ((وقع في الحرام)) ولم يقل: يوشك أن يقع تحقيقًا لمداناة الوقوع، كما يقال من أتبع نفسه هواها فقد هلك. أقول: ولعل السر فيه أن حمى الأملاك حدوده محسوسة، يدركها كل ذي بصر، فيحترز أن يقع فيه اللهم إلا أن يغفل أو تغلبه الدابة الجموح، وأما حمى ملك الأملاك وهو محارمه، فمعقول صرف، لا يدركه إلا الألباء من ذوي البصائر، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يعلمهن كثير من الناس)) يحسب أحد منهم أنه يرتع حول الحمى، يعني الشبهات، إذ هو في وسط محارمه، ومن ثمة ورد النهي في التنزيل عن القربان منها في قوله: {تلك حدود الله فلا تقربوها} لأن قربانها هو الوقوع فيها. والله أعلم.

قوله: ((مضغة)) ((نه)): المضغة القطعة من اللحم قدر ما يمضغ، وجمعها مضغ، وسمي القلب بها؛ لأنه قطعة من الجسد. ((مح)): قالوا: المراد تصغير القلب بالنسبة إلي باقي الجسد، مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان لها. أقول: إنما سماه مضغة؛ لأن فيها معنى التحقير، والتكبير فيها أيضًا للتحقير تعظيمًا لشأنها، نحو قولهم: المرء بأصغريه، قال الميدإني: يعني بهما القلب واللسان، وقيل لهما الأصغران ذهابًا إلي أنهما أكتر ما في الإنسان معنى وفضلًا، كما قيل: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. والجالب للباء معنى القيام، كأنه قال: المرء يقوم معإنيه بهما ويكمل بهما، وأنشد لزهير:

<<  <  ج: ص:  >  >>