٢٩٨٣ - وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم)). فقال أصحابه: وأنت؟ فقال:((نعم، كنت أرعى علي قراريط لأهل مكة)) رواه البخاري.
٢٩٨٤ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالي: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفي منه ولم يعطه أجره)) رواه البخاري.
ــ
يصب في الأنف، يقال: أسعطت الرجل واستعط هو بنفسه، ولا يقال: استعط مبنياً علي المفعول، وفيه صحة الاستئجار وجواز المداواة.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أرعى علي قراريط)) ((تو)): القيراط قد ذكر في باب الجنائز، وإنما ذكر هنا القراريط لأنه أراد بها قسط الشهر من أجرة الرعية، والظاهر أن ذلك لم يكن يبلغ الدينار، أو لم ير أن يذكر مقدارها استهانة بالحظوظ العاجلة؛ أو لأنه نسى الكمية فيها، وعلي الأحوال فإنه قال هذا القول تواضعاً لله تعالي، وتصريحاً بمنته عليه.
((مظ)): علة رعيهم الغنم، أنهم إذا خالطوا الغنم زاد لهم الحلم والشفقة، فإنهم إذا صبروا علي مشقة الرعي، ودفعوا عنها السبع الضارية واليد الخاطفة، وعلموا اختلاف طباعها. وعلي جمعها بعد تفرقها في المرعى والمشرب، وعرفوا ضعفها واحتياجها إلي النقل من مرعى إلي مرعى ومن مسرح إلي مراح، وعرفوا أن مخالطة الناس مع اختلاف أصنافهم وطباعهم، وقلة عقول بعضهم ورزانتها فصبروا علي لحوق المشقة من الأمة إليهم، فلا تنفر طباعهم ولا تمل نفوسهم من دعوتهم إلي الدين؛ لاعتيادهم الضرر والمشقة، وعلي هذا شأن السلطان مع الرعية.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أنا خصمهم)) ((قض)): الخصم مصدر خصمته أخصمه، نعت به للمبالغة. كالعدل والصوم. وقوله:((أعطى بي)) أي عهد باسمي وحلف بي، أو أعطى الأمان باسمي أو بما شرعته من ديني. وقوله:((فاستوفي منه)) أي عمله وما استأجره لأجله.
أقول: قوله: ((أعطى)) يقتضى مفعولا به، وقوله:((غدر)) قرينة لخصوصيته بالعهد، وقوله:((بي)) حال أي موثقاً بي؛ لأن العهد مما يوثق بالإيمان بالله، قال الله تعالي: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ