للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الإحسان. قال: (أن تعبدالله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال: فأخبرني

ــ

خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) المطلوب من الخلق هو العبادة التي هي غاية الخضوع والاستكانة، وجعل المعرفة والتصديق كالمقدمة للواجب، ولعل الحكمة فيه إظهار الكبرياء والعظمة لله تعالى بإبداء غاية التضرع والاستطانة من المخلوقين، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) وقوله تعالى: (والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) أي إن استكبرتم وأعرضتكم عن إظهار الافتقار يستبدل قوما غيركم.

وثانيهما- وهو الوجه-أن غالب هذا العطف في صلة الموصول، والصلة والموصول شيء واحد، والدليل عليه قوله تعالى: (الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات) مقالب لقوله: (الذين كفروا وكذبوا) وقوله تعالى: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) في معنى هدى للمتقين المؤمنين، وهو عين المطلوب.

فإن قيل: إذا جعل الإيمان عبارة عن مجموع التصديق والإقرار والعمل، فمن أخل بواحد منها يلزم أن لا يكون مؤمنًا؛ لأن الكل ينتفي بانتفاء الجزء. قلت: المراد بالإيمان ههنا هو الإيمان الكامل، وإذا كان المراد ذلك فإذا انتفى بعض منها ينتفي الإيمان الكامل، لا مطلق الإيمان.

قوله: ((فأخبرني عن الإحسان)) (قال الخاطبي): إنما أراد بالإحسان هاهنا الإخلاص، وهو شرط في صحة الإيمان والإسلام معًا، وذلك أن من تلفظ بالكلمة وجاء بالعمل من غير نية الإخلاص لم يكن محسنًا، ولا كان إيمانه صحيحًا، قال - صلى الله عليه وسلم - (أن تعبد الله كأنك تراه) أي في إخلاص العبادة لوجه الله الكريم، ومجانبته الشرك الخفي، والعبادة لله الذي لا تنبغي العبادة إلا له على نعت الهيبة والتعظيم، حتى كأنه ينظر إلى الله خوفا منه وحياء وخضوعا له. (قال الراغب): الحسن عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه، وهو ثلاثة أضرب: مستحسن من جهة العقل، ومن جهة الهوى، ومن جهة الحس. والإحسان يقال على وجهين: أحدهما: الإنعما على الغير، يقال: أحسن إلى فلان. والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علما حسنا، أو عمل عملًا حسنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>