الله! إني وهبت نفسي لك. فقامت طويلا، فقام رجل، فقال: يا رسول الله! زوجنيها إن لم تكن لك فيها حاجة. فقال:((هل عندك شيء تصدقها؟)) قال: ما عندي إلا إزاري هذا. وقال:((فالتمس ولو خاتما من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هل معك من القرآن شيء؟)) قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، فقال:((زوجنتكها بما معك من القرآن)) وفي رواية، قال:((انطلق فقد زوجتكها، فعلمها من القرآن)) متفق عليه.
ــ
يجب مهرها عليه ولو بعد الدخول، بخلاف غيره. وفي نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة وجهان: أصحهما ينعقد لظاهر الآية والحديث، والثاني: لا ينعقد إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح كغيره من الأمة؛ فإنه لا ينعقد إلا بأحد هذين اللفظين عندنا بلا خلاف. قال أبو حنيفة: ينعقد نكاح كل أحد بكل لفظ يقتضي التمليك علي التأبيد. ولمالك روايتان: إحداهما مثل مذهبنا، والأخرى أنه ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع إذا قصد به النكاح. وفيه استحباب عرض المرأة نفسها علي الصلحاء لتزوجها، وأنه يستحب لمن طلب منه حاجة لا يمكنه قضاؤها أن يسكت سكوتا يفهم السائل منه ذلك ولا يخجله بالمنع. وفيه جواز نكاح المرأة من غير أن تسأل، هل هي في عدة أم لا؟ وفيه استحباب تسمية الصداق في النكاح؛ لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة. وفيه جواز قلة الصداق مما يتمول إذا تراضيا؛ لأن خاتم الحديد في غاية القلة. وهو مذهب الشافعي وجماهير العلماء. قال مالك: أقله ربع دينار، كنصاب السرقة. وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقله عشرة دراهم. ومذهب الجمهور هو الصحيح؛ لهذا الحديث الصريح. وفيه جواز اتخاذ خاتم الحديد، وفيه خلاف للسلف، ولأصحابنا في كراهته وجهان: أصحهما لا يكره؛ لأن الحديث في النهي عنه ضعيف. وفيه استحباب تعجيل تسليم المهر إليها. وفيه دليل علي جواز كون الصداق تعليم القرآن، وجواز الاستئجار لتعليمه، وهو مذهب الشافعي. ومنعه جماعة منهم الزهري وأبو حنيفة.
((حس)): وفيه دليل علي أن الصداق لا تقدير له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال:((التمس)) وهذا يدل علي جواز أي شيء كان من المال، وعلي أن المال غير معتبر في الكفاءة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو كفء لها أم لا؟ وقد علم صلى الله عليه وسلم من حاله أنه لا مال له.
((شف)): قال الحنفية: الباء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((زوجتكها بما معك من القرآن)) ليست للمقابلة بل للتسبيه، والمراد كما وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، لعلها وهبت صداقها لذلك الرجل، وقالوا: معناه زوجتها منك بسبب ما معك من القرآن. قال الخطابي الباء باء التعويض كما يقال: بعت هذا الثوب بدينار، ولو كان معناه ما أولوه ولم يرد بها معنى المهر، لم يكن لسؤاله إياه ((هل معك من القرآن شيء؟)) معنى وليس في الحديث أنه جعل المهر دينا.