دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم علي ظلمهم؛ فليسوا مني ولست منهم، ولن يردوا علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم علي ظلمهم؛ فأولئك مني وأنا منهم، وأولئك يردون علي الحوض)) رواه الترمذي، والنسائي. [٣٧٠٠]
ــ
في الأصل الخفة والطيش، وسفه فلان رأيه إذا كان مضطرباً لا استقامة له والسفيه الجاهل. أقول:((وما ذاك)) إشارة إلي معنى إمارة السفهاء، وهو فعلهم المستعاذ منه من الظلم والكذب وما يؤدي إليه جهلهم وطيشهم.
فإن قلت: كيف أجاب عن السؤال عن وصقهم بذواتهم؟ قلت: يحتمل أن تؤخذ الزبدة والخلاصة من الجواب فيعبر عنه كأنه لما قيل: ما ذلك الفعل المستعاذ به؟ فأجيب ما يرغب فيه سفهاء مثلهم، ويتجنب عنه الألباء وأرباب العقول من الكذب والظلم. ويحتمل أن يؤول قوله:((من إمارة السفهاء)) بقوله: ((بالأمراء السفهاء)). قوله:((وما ذاك)) بمعنى ((من هم)) لإرادة الوصفية فيهم كقوله: ((سبحان ما سخركن لنا))، فيكون الجواب حينئذ من الأسلوب الحكيم حيث زاد في الجواب بقوله:((من دخل)) أي لا تسأل عنهم وعماهم فيه فحسب، بل سل عمن يتقرب إليهم ويتوصل بهم، فيصدقهم بكذبهم ويعينهم علي ظلمهم ما حالهم؟ فإن حال أولئك قد يتجاوز عن حد البيان ويتحاشى عن ذكره اللسان.
وقال سفيان: لا نخالط السلطان ولا من يخالطه. وقال: صاحب القلم وصاحب الدواة وصاحب القرطاس وصاحب الليطة بعضهم شركاء بعض. وروي أن خياطاً سأل عالماً عن خياطته للحكام هل أنا داخل في قوله تعالي:{ولا تَرْكَنُوا إلي الَّذِينَ ظَلَمُوا} قال: لا، بل يدخل فيه من يبيعك الإبرة، قال ابن مسعود: من رضي بأمر وإن غاب عنه كان كمن شهده وتلا الآية.
قوله:((فأولئك منى)) أدخل الفاء في الخبر ((من)) لتضمنه معنى الشرط وزاد فيه ((أولئك)) وكرره لمزيد تقرير العلة؛ لأن اسم الإشارة في هذا المقام مؤذن بأن ما يرد عقيبه جدير بمن قبله لا تصافه بالخصال المذكورة، كقوله تعالي:{أُوْلَئِكَ عَلي هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} بعد قوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلي ما يتصل به استحماداً علي فعلهم من الاجتناب عنهم وعن تصديقهم ومعاونتهم.