٣٨٥٣ - وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:((إنه لما أصيب إخوانكم يوم أحد؛ جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلي قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش؛ فلما وجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم. قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة، لئلا يزهدوا في الجنة، ولا ينكلوا عند الحرب. فقال الله تعالي: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالي:{ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} إلي آخر الآيات)) رواه أبو داود.
٣٨٥٤ - وعن أي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((المؤمنون في الدنيا علي ثلاثة أجزاء: الذي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذي يأمنه الناس علي أموالهم وأنفسهم، ثم الذي إذا أشرف علي طمع تركه لله عز وجل)) رواه أحمد. [٣٨٥٤]
ــ
ويدعى أن يدخل من أي باب شاء، وهو أبلغ في الكرامة من أن يقال: الجنة تحت ظلال السيوف؛ ومن ثم سلم الرجل علي أصحابه تسليم توديع وكسر جفن سيفه ومضى.
الحديث الخامس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ومقيلهم)) المقيل المكان الذي يؤوى إليه للاسترواح وقت الظهيرة والنوم فيه، وهو هنا كناية عن التنعم والترفه؛ لأن المتفرفهين في الدنيا يعيشون فيها متنعمين. وقوله:((ولا تنكلوا)) يقال: نكل عن العمل ينكل إذا جبن وفتر. ((نه)): وفي حديث علي رضي الله عنه: ((غير نكل في قدم)) أي بغير جبن وإحجام في الإقدام.
الحديث السادس عن أبي سعيد: قوله: ((علي ثلاثة أجزاء)) الأجزاء إنما تقال فيما يقبل التجزئة من الأعيان، فجعل المؤمنين كنفس واحدة في التعاطف والتواد، كما جعلوا يدا واحدة في قوله صلى الله عليه وسلم:((وهم يد علي من سواهم)). و ((ثم)) في ((ثم لم يرتابوا)) كما في قوله تعالي: {إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} للتراخي في الرتبة؛ لأن الثبات علي الاستقامة وعلي عدم الارتياب أشرف وابلغ من مجرد الإيمان والعمل الصالح. وكذا في قوله:((ثم الذي إذا أشرف علي طمع)). والطمع هنا يراد به انبعاث هوى النفس إلي ما تشتهيه فتؤثره علي متابعة الحق فترك مثله منتهي غاية المجاهدة. قال تعالي: {وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهي النَّفْسَ عَنِ الهَوَى (٤٠) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى}.