للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)) رواه مسلم [١٥٧]

١٥٨ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدى كان له

ــ

المعنى بقوله: ((ويفعلون ما لا يؤمرون)) إذ فعل ما لم يؤمر به شرعاً من البدع المنهي عنها، ومنه قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} بخلاف السلف الصالح؛ فإنهم لا اقتدوا بهدي نبي الله انخرطوا في سلك الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

والفاء في ((فمن جاهدهم)) جزاء شرط محذوف، والتنكير في ((مؤمن)) للتنويع، فإن الأول دل على كمال الإيمان، والثالث عن نقصانه، والمتوسط على القصد فيه، وفي ((حبة خردل)) على نفيه بالكلية، وهي اسم ليس، و ((وراء ذلك)) خبره، و ((من الإيمان)) صفتها، قدمت فصارت حالا منها. وذهب المظهر إلى أن الإشارة بذلك إلى الإيمان في المرتبة الثالثة، ويحتمل أن يشار به إلى المذكور كله، أي ليس وراء ما ذكرت من مراتب الإيمان مرتبة قط؛ لأن من لم ينكر بالقلب رضي بالمنكر، والرضي بالمنكر كفر، فتكون هذه الجملة المصدرة بليس معطوفة على الجملة قبلها بكمالها.

الحديث التاسع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((من دعا إلى هدى)) ((قض)): أفعال العباد وإن كانت غير موجبة ولا مقتضية للثواب والعقاب بذواتها إلا أنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسببات بالأسباب، وفعل العبد ما له تأثير في صدوره بوجه، فكما يترتب الثواب والعقاب على ما يباشره ويزاوله، يترتب كل منهما على ما هو سبب عن فعله. كالإرشاد إليه، الحث عليه، ولما كانت الجهة التي بها استوجب المسبب للأجر والجزاء غير الجهة التي استوجب بها المباشر – لم ينقص أجره من أجره شيئاً.

أقول: ((هدى)) وهو إما الدلالة الموصلة إلى البغية، أو مطلق الإرشاد، وهو في الحديث ما يهتدي به من الأعمال الصالحة، وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له: هدى، يطلق على القليل والكثير، والعظيم والحقير، فأعظمه هدى من دعا إلى الله، وعمل صالحا، وقال إنني من المسلمين، وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى عن طريق المؤمنين، ومن ثم عظم شأن الفقيه الداعي المنذر، حتى فضل واحد منهم على ألف عابد؛ لأن نفعه يعم الأشخاص

<<  <  ج: ص:  >  >>