نعم، فما حاجتك إليه يا بن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك، قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلي أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألإني عنه. قال: فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبراه، فقال:((أيكما قتله؟)) فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال:((هل مسحتما سيفيكما؟)) فقالا: لا. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي السيفين، فقال:((كلاكما قتله)). وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح. والرجلان: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء. متفق عليه.
٤٠٢٩ - وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ((من ينظر لنا ما صنع
ــ
قوله: ((قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن عمرو بن الجموح)) ((مح)): اختلفوا في معناه فقال أصحابنا: اشترك هذان الرحلان في جراحته لكن معاذ بن عمرو أثخنه أولا فاستحق السلب، وإنما قال صلى الله عليه وسلم:((كلاكما قتله)) تطييبا لقلب الآخر من حيث أن له مشاركة في قتله، وإلا فالقتل الشرعي يتعلق به استحقاق السلب وهو الإثخان وإخراجه عن كونه ممتنعا، وإنما وجد من معاذ ابن عمرو فلهذا قضى له بالسلب. وإنما أخذ السيفين؛ ليستدل بهما علي حقيقة كيفية قتلهما، فعلي أن ابن الجموح أثخنه ثم شاركه الثاني بعد ذلك وبعد استحقاقه السلب.
وقال أصحاب مالك: إنما أعطاه لأحدهما؛ لأن الإمام مخير في السلب يفعل فيه ما شاء، وذكر في صحيح البخاري في حديث إبراهيم بن سعد أن الذي ضربه ابن عفراء، وفي روايه أن انبي عفراء ضرباه حتى برد. وذكر غيره أن ابن مسعود هو الذي أجهز عليه وأخذ رأسه. قال الشيخ: يحمل هذا علي أن الثلاثة اشتركوا في قتله، وكان الإثخان من عمرو بن الجموح، وجاء ابن مسعود بعد ذلك وفيه رمق فحز رأسه.
وفيه من الفوائد: المبادرة إلي الخيرات والغضب لله ولرسوله. وفيه أنه لا ينبغي لأحد أن يحتقر أحدا لصغره ونحافة جسمه أن يصدر عنه أمر خطير. واحتج به المالكية علي استحقاق القاتل السلب فهو له بلا بينة. والجواب أنه صلى الله عليه وسلم لعله عرف ذلك ببينة أو غيرها.
الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((ما صنع)) ((ما)) استفهامية علي معنى ((ينظر))،