٤٠٤٦ - عن المسور، ومروان: أنهم اصطلحوا علي وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، وعلي أن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال رواه أبو داود. [٤٠٤٦]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول عن المسور: قوله: ((عشر سنين)) ((قض)): إنما هادنهم عشر سنين لضعف المسلمين، وهي أقصى مدة المهادنة عند الشافعي فلا تجوز الزيادة عليها؛ لأنه تعالي أمر بقتال الكفار في عموم الأحوال والأوقات، فلا يستثنى منه إلا القدر الذي استثناه الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل: لا يجوز أكثر من ثلاث سنين إذ الصلح لم يبق بينهم أكثر من ذلك؛ فإن المشركين نقضوا العهد في السنة الرابعة، فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الفتح، وضعفه ظاهر.
وقيل: لا حد لها وإن تقدير مدتها موكول إلي رأي الإمام واقتضاء الحال، هذا إذا كان ضعف، وأما في حال القوة فيجوز الصلح إلي أربعة أشهر؛ لقوله تعالي:{فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم جعل لصفوان بعد فتح مكة يسير أربعة أشهر، ولا يجوز يهدنهم سنة بلا جزية وفيما بينهما خلاف، والأصح المنع. وقوله:((علي أن بيننا عيبة مكفوفة)) أي صدرا نقيا من الغل والخداع مطويا علي حسن العهد والوفاء، والعيبة تستعار للقلوب والصدور من حيث أنها مستودع الأسرار، كما أن العياب مستودع الثياب والمتاع.
وقيل: معناه أن تكون بيننا موادعة ومصادقة تكون بين المتصادقين المتشاورين في الأمور، فيكون كل منا صاحب مشورة للآخر وعيبة سره، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم:((الأنصار كرشي وعيبتي)).
وقيل: معناه: علي أن يكون ما سلف منا في عيبة مكفوفة، أي مشروحة مشدودة لا يظهره أحد منا ولا يذكره، كما قال الله تعالي:{عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ}. وقيل: علي أن يكون بيننا كتاب صلح نحفظه ولا نضيعه كالمتاع المضبوط في العيبة المشدودة. و ((الإسلال)) السرقة الخفية، وكذلك السلة. و ((الإغلال)) الخيانة.
أقول: فإن قلت: لم خص الإسلال والإغلال بالذكر من بين سائر الفساد، وأتى بضمير الشأن؟. قلت: لما نفي الدخول التي كانت بينهم وأن لا ينشروها، بل يتكافون عنها، أتبعه ما يتعلق بالظاهر، وإنما خصهما بالذكر للاستيعاب؛ ومن ثم كرر ((لا)) التي لنفي الجنس وحذف الخبر نسيا منسيا، نحوه قوله تعالي:{لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وعَشِيًا}، كأنه قيل: ينبغي أن