للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة, حتى قاضاهم علي أن يدخل – يعني من العام المقبل – يقيم بها ثلاثة أيام. فلما كتبوا الكتاب, كتبوا: هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله. قالوا: لا نقر بها, فلو نعلم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعناك, ولكن أنت محمد بن عبد الله. فقال: ((أنا رسول الله, وأنا محمد بن عبد الله)). ثم قال لعلي بن أبي طالب: ((امح رسول الله)) قال: لا والله, لا أمحوك أبدا. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم, وليس يحسن يكتب, فكتب: ((هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله: لا يدخل مكة بالسلاح إلا السيف في القراب, وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه, وأن

ــ

((أن)) فارتفع الفعل. قوله: ((فلو نعلم)) فإن قلت: ((لو)) تقتضي أن يليها الماضي فما فائدة العدول إلي المضارع؟ قلت: ليدل علي الاستمرار أي استمرار عدم علمنا برسالتك في سائر الأزمنة بل الماضي والمضارع, كقوله تعالي: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} وقولك: لو تحسن إلي لشكرت.

قوله: ((أنا محمد بن عبد الله)) هو من الأسلوب الحكيم يعني استدراككم بقولكم: ((أنت محمد بن عبد الله)) بدل قولي: ((محمد رسول الله)) يؤذن بأن الجمع بينهما غير مستقيم, وليس كذلك لأن الرسالة تثبت بدعواها وإثبات المعجزة, وقد حصل ذلك, وهو كقول الرسل: {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} جوابا علي قولهم: {مَا أَنتُمْ إلَاّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا}.

قوله: ((وليس يحسن يكتب)) أي وليس يحسن أن يكتب, فحذف أن وهو جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه, أي فأخذ الكتاب فكتب, كذا في بعض رواية البخاري.

وقوله: ((ليس يحسن يكتب)) يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون من باب قوله: علي لا حب لا يهتدي بمنارة, وقوله تعالي: {ولا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} أي لا كتابة ولا إجادة فيها وعلي هذا وقع الاختلاف.

((مح)): قال القاضي عياض: احتج بهذا أناس علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ذلك بيده, وقالوا: إن الله تعالي أجرى ذلك علي يده, إما بأن كتب القلم بيده وهو غير عالم بما كتب, أو بأن الله تعالي علمه ذلك حينئذ, زيادة في معجزته كما علمه ما لم يعلم, وجعله تاليا بعدما لم يكن يتلو بعد النبوة, وهو لا يقدح في وصفه بالأمي. واحتجوا بآثار جاءت في هذا عن الشعبي وبعض

<<  <  ج: ص:  >  >>