قال: فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار، فقال: حدثنيه عامر بن سعد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا أنه قال:((نظفوا أفنيتكم)). رواه الترمذي.
٤٤٨٨ - وعن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: كان إبراهيم خليل الرحمن أول الناس ضيف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه، وأول الناس رأي الشيب. فقال: يا رب: ما هذا؟ قال الرب تبارك وتعالى: وقار يا إبراهيم. قال: رب زدني وقاراً. رواه مالك. [٤٤٨٨]
ــ
ومنه حديث أم أبي زرع ((قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك؟، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك)). والفرق بين الكرم والجود أن الجود بذل المقتنيات. ويقال: رجل جواد وفرس جواد، يجود بمدخر عدوه. والكرم إذ وصف الإنسان به فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه، ولا يقال: هو كريم، حتى يظهر ذلك منه. وقوله {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فإنما كان كذلك؛ لأن الكرم الأفعال المحمودة، وأشرف ما يقصد به وجه الله تعالى، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله، فهو التقى، فإذن أكرم الناس أتقاهم كل شيء يشرف في بابه، فإنه يوصف بالكرم. قال تعالى {كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}{ومَقَامٍ كَرِيمٍ}{إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} قاله الراغب.
الحديث الحادي عشر عن يحيى: قوله: ((ضيف)) الضيف هو خبر ((كان)) و ((أول الناس)) ظرف له، وكذا ما بعده. ويحتمل أن يكون ((أول الناس)) خبر ((كان)) و ((ضيف)) يكون مؤولا بمصدر وقع تمييزاً، أي أول الناس تضييفاً، أو يقدر المميز ويكون الفعل المذكور بياناً له. و ((ضيف الضيف)) مجاز باعتبار ما يؤول إليه، كقول ابن عباس رضي الله عنهما: إذا أراد أحدكم الحج، فليعجل؛ فإنه يمرض المريض، وتضل الضالة. فسمى المشارف للضيف، والمرض والضلال ضيفاً ومريضاً وضالة. وسمى الشيب وقاراً؛ لأن زمان الشيب أوان رزانة النفس والسكون والثبات في مكارم الأخلاق. قال الله تعالى:{لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقَارًا}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما لكم لا تخافون لله عاقبة؛ لأن العاقبة حال استقرار الأمور، وثبات الثواب والعقاب، من وقر إذا ثبت واستقر.