للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٥٩٣ - وعن عائشة، قالت: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنهم ليسوا بشيء)). قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون إحيانا بالشيء يكون حقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تلك الكلمة من الحق، يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)) متفق عليه.

ــ

ومن الرجال أسنة مذروبة ومزندون شهودهم كالغائب

منهم ليوث ما ترام وبعضهم مما قمشت وضم حبل الحاطب

قال المرزوقي: أخرج المزندين الداخلين في القسمة على أسلوب آخر ذما لهم، كأنه لم يقنعهم ذلك التشبيه وتلك القسمة فاستأنفها على وجه آخر، يعني بينهما تفاوت عظيم وتباين شديد. وما يتعلق ببقية ألفاظ الحديث مضى بحثه في مستهل باب ((ما لا يجوز من العمل في الصلاة))، فمن أشكل عليه فليطلب هناك.

الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((تلك الكلمة من الحق)) ((مح)): بالجيم والنون في جميع نسخ مسلم في بلادنا، أي الكلمة المسموعة من الجبن. وروى أيضا: ((من الحق)) بالحاء والقاف. و ((يخطفها)) أي يسرقها من الملائكة بسرعة. وقوله: ((فيقرها)) بفتح الياء وضم القاف وتشديد الراء. و ((قر الدجاجة)) بفتح القاف. والدجاجة بالدال. قال أهل اللغة والغريب: القر ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه. تقول: قررته فيه أقره قرا، وقر الدجاجة صوتها إذا قطعته. يقال: قرت تقر قرا وقريرا. فإد رددته قلت: قرقرت قرقرة. ويروى كقر الزجاجة بالزاي يدل عليه ثبوت رواية البخاري: ((فيقرها في أذنه كما يقر القارورة)).

أقول: واختار الشيخ التوربشتي هذه الرواية، ورد الرواية الأولى وقال: ومن الناس من رواه ((قر الزجاجة)) بالزاي، وأراها أحوط الروايتين؛ لما في غير هذه الرواية ((قر القارورة)) يقال: قررت على رأسه دلوا من ماء أي صببت. وقر الحديث في أنه يقره كأنه صبه فيها. واستعمال قر الحديث في الأول شائع مستفيض في كلامهم، وأما استعماله على الوجه الذي فسروا عليه الحديث فإنه غير مشهور، لم نجد له شاهدا في كلامهم. وكل ذلك يدل عى أن الدجاجة بالدال تصحيف أو غلط من السامع.

أقول: لا ارتياب أن ((قر الدجاجة)) مفعول مطلق، وفيه معنى التشبيه، فكما يصح أن يشبه إيراد ما اختطفه من الكلام في أذن الكاهن بصب الماء في القارورة، يصح أن يشبه ترديد كلام الجني في أذن الكاهن ترديد الجاجة صوتها في أذن صواحبها، كما تشاهد الديكة إذا وجدت حبة أو شيئا فتقر وتسمع صواحبها فيجتمعن عليها. وباب التشبيه باب واسع لا يفتقر إلا إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>