يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً)). قلت: أمما بقي أو مما مضى؟ قال ((مما مضى)). رواه أبو داود. [٥٤٠٧]
ــ
قوله:((وإن يقم لهم دينهم)) قال الخطابي: أراد بالدين الملك. وأنشد قول زهير:
لئن حللت بحر في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدك
قال: ويشبه أن يكون أراد بهذا ملك بني أمية وانتقاله عنهم إلى بني العباس. وكان ما بين استقرار الملك لبني أمية إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان، وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيه نحواً من سبعين سنة.
ويرحم الله أيا سليمان! فإنه لو تأمل الحديث كل التأمل وبني التأويل على سياقه، لعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بذلك ملك بني أمية دون غيرهم من الأمة. بل أراد به استقامة أمر الأمة في طاعة الولاة وإقامة الحدود والأحكام وجعل المبدأ فيه أول زمان الهجرة، وأخبرهم أنهم يلبثون على ما هم عليه خمسا وثلاثين سنة، أو ستا وثلاثين أو سبعا وثلاثين. ثم يشقون عصا الخلاف فتفترق كلمتهم. فإن هلكوا فسبيلهم سبيل من قد هلك قبلهم. وإن عاد أمرهم إلى ما كان عليه من إيثار الطاعة ونصرة الحق يتم لهم ذلك إلى تمام السبعين. هذا مقتضى اللفظ.
ولو اقتضى اللفظ أيضا غير ذلك لم يستقم لهم ذلك القول؛ فإن الملك في بعض أيام العباسية لم يكن أقل استقامة في أيام المروانية، مع أن بقية الحديث تنقض كل تأويل يخالف تأويلنا هذا. وهي قول ابن مسعود: قلت: يا رسول الله! أمما بقي أو مما مضى؟ يريد أن السبعين تتم لهم مستأنفة بعد خمس وثلاثين، أم تدخل الأعوام المذكورة في جملتها؟ قال: مما مضى، يعني يقوم لهم أمر دينهم إلى تمام سبعين سنة من أول دولة الإسلام، لا من انقضاء خمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين إلى انقضاء سبعين.
وفي جامع الأصول: قيل: إن الإسلام عند قيام أمره على سنن الاستقامة والبعد من إحداثات الظلمة إلى أن تنقضي مدة خمس وثلاثين سنة. ووجهه أن يكون قد قاله. وقد بقيت من عمره صلى الله عليه وسلم خمس سنين أو ست سنين، فإذا انضمت إلى مدة خلافة الخلفاء الراشدين، وهي ثلاثون سنة كانت بالغة ذلك المبلغ. وإن كان أراد سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ففيها خرج أهل مصر وحصروا عثمان رضي الله عنه. وإن كان سنة ست وثلاثين من الهجرة ففيها كانت وقعة الجمل. وإن كانت سنة سبع وثلاثين، ففيها كانت وقعة صفين.