للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

إليه الرؤية ليؤذن بأن انتفاء الموصوف أمر محقق لا نزاع فيه، وبلغ في تحققه إلى أن صار كالشاهد على نفي الصفة وعكسه.

قوله: ((ولا خطر على قلب بشر)) هو من باب قوله تعالى: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} وقوله: ((على لا حب لا يهتدي بمناره)) أي لا قلب ولاخطور، أولا خطور، فعلى الأول ليس لهم قلب يخطر فجعل انتفاء الصفة دليلا على انتفاء الذات، أي إذا لم تحصل ثمرة القلب وهو الإخطار فلا قلب، كقوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع} فإن قيل: لم خص البشر هنا دون القرينتين السابقتين؟.

قلت: لأنهم هم الذين ينتفعون بما أعد لهم ويهتمون بشأنه ويخطرون ببالهم بخلاف الملائكة. والحديث كالتفصيل للآية: فإنها نفت العلم، والحديث نفي طريق حصوله.

قوله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم}: الكشاف: لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادخر الله لأولئك، فأخفاه من جميع خلائقه فلا يعلمه إلا هو، مما تقرُّ به عيونهم، ولا مزيد على هذه العِدَة ولا مطمح وراءها. ((حس)): يقال: أقر الله عينك، ومعناه أبرد الله دمعتها لأن دمعة الفرح باردة - حكاه الأصمعي - وقال غيره: معناه بلغك الله أمنيتك حتى ترضي به نفسك وتقر عينك فلا تستشرف إلى غيره. انتهى كلامه.

فعلى هذا الأول من القرة البرد، والثاني من القرار.

وفي قوله: ((أعددت)) دليل على أن الجنة مخلوقة، ويعضده سكنى آدم وحواء الجنة، ولمجيتها في القرآن على نهج الأسماء الغالبة اللاحقة بالأعلام: كالنجم والثريا والكتاب ونحوها، وذلك أن الجنة كانت تطلق على كل بستان متكاثف أغصان أشجارها، ثم غلبت على دار الثواب، وإنما قال: ((اللاحقة بالأعلام)) لكونها غير لازمة للام، وتحقيق القول أنها منقولة شرعية على سبيل التغليب، وإنما تغلب إذا كانت موجودة معهودة، وكذلك اسم النار منقول لدار العقاب على سبيل الغلبة، وإن اشتملت على الزمهرير والمهل والضريع وغير ذلك، ولولا ذلك لما كان يغني عن طلب القصور والحور والولدان بالجنة، ولا عن طلب الوقاية من الزمهرير والمهل والضريع عن مطلق النار.

<<  <  ج: ص:  >  >>