٥٦٢٥ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يدخلُ الجنَّةَ أقوامٌ أفئدتُهم مثلُ أفئدةِ الطير)) رواه مسلم.
ــ
رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضىء الباقي في جانب المشرق أو المغرب في الاستضاءة من البعد، فلو قيل:((الغائر)) لم يصح لأن الإشراق يفوت عند الغروب، اللهم إلا أن يقدر المستشرف على الغروب كقوله تعالى:{فإذا بلغن أجلهن} أي شارفن بلوغ أجلهن، لكن لايصح هذا المعنى في الجانب الشرقي، نعم يجوز على التقدير كقولهم: متقلدًا سيفًا ورمحًا، وعلفته تبنا وماء باردًا، أي: طالعًا في الأفق من المشرق وغابرًا في المغرب.
فإن قلت: ما فائدة ذكر المشرق والمغرب؟ وهلا قيل: في السماء - أي في كبدها -؟.
قلت: لو قيل في السماء كان القصد الأولي في بيان الرفعة ويلزم منه البعد، وفي ذكر المشرق والمغرب القصد الأولي البعد ويلزم منه الرفعة، وفيه شبهة من معنى التقصير بخلاف الأول فإن فيه نوع اعتذار، وقريب منه قول الشاعر:
هي الشمس مسكنها في السماء ... فعز الفؤاد عزاء جميلا
فلن تستطيع إليها الصعود ... ولن تستطيع إليك النزولا
الحديث الثالث عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مثل أفئدة الطير)) ((مح)) قيل: مثلها في رقتها كما ورد: ((أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبًا))، وقيل: في الخوف والهيبة، والطير أكثر الحيوان خوفًا وفزعًا، قال الله تعالى:{إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
وقيل: المراد يتوكلون كما ورد: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانًا)).
أقول: قد تقرر في علم البيان أن وجه الشبه إذا أضمر عم تناوله، فيكون أبلغ مما لو صرح به، فينبغي أن يحمل الحديث على المذكورات كلها، ومن ثم خص الفؤاد بالذكر دون القلب.
غب: الفؤاد كالقلب لكن يقال: له فؤاد، إذ اعتبر فيه معنى الفأد أي التوقد، يقال: فأدت اللحم أي شويته، ولحم فئيد مشوي، قال الله تعالى:{ما كذب الفؤاد ما رأي} - انتهى كلامه -.
والقريحة إذا أريد وصفها بشدة الإدراك وصفت بالوقود، يقال: متوسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها.